الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص64
وأما الجواب عما ذكره من وجوب دم الفوات مخالفة لأهل الحرم ؛ وهو أن الحرم ميقات لأهله دون غيرهم ، وليس من كان حاضري الحرم من أهل الحرم ، فلم يجز لهم الإحرام من المحرم ، فلزمهم الدم لإخلالهم بالإحرام من ميقاتهم ، وأما قياس أبي حنيفة على منى وعرفات ، فالمعنى فيهما أنهما على مسافة لا تقصر في مثلها الصلاة .
وأما قوله ‘ إنما جعلت حداً بين القريب والبعيد ‘ ، فغير صحيح ؛ لأنها جعلت حداً للإحرام ، ولم تجعل حداً للقرب والبعد ، ولو جعلت حداً للقرب والبعد لاستوت المواقيت كلها في القرب والبعد .
فصل
: فإذا ثبت أن حاضري الحرم من كان على مسافة لا تقصر في مثلها الصلاة ، فكل من تمتع من أهل الحرم أو حاضريه ، فلا دم عليه ، وإن كان من غير أهل الحرم وحاضريه فعليه إذا تمتع أو قرن دم ، لتمتعه أو قرانه ؛ لأنه قد تم به سقوط أحد الميقاتين ، لأنه يحرم بالحج من الحرم ، وقد كان يلزمه أن يحرم به من ميقات بلده ، فلو أن رجلاً تمتع وله وطنان ، أحدهما بالحرم أو حاضريه ، والثاني بغيره ، اعتبر أكثر مقامه ، فإن كان أكثر مقامه بالحرم فهو في حكم أهله ولا دم عليه في تمتعه ، وإن كان أكثر من مقامه بغير الحرم وحاضريه وجب تغليب حكمه ولزمه الدم ؛ لتمتعه ، وإن استوى مقامه فيهما اعتبر حال مآله ، فإن كان في أحدهما : أو كان فيهما ، أو في أحدهما أكثر ، غلب حكم الوطن الذي فيه جميع مآله أو أكثره ، فإن استوى مآله في الوطنين اعتبرت نيته في العود إلى أحد الوطنين ، وغلب حكمه ، فإن استوى مآله من الوطنين قال أصحابنا : غلب حكم البلد الذي خرج به .
فصل
: فلو أن عراقياً دخل مكة ونوى المقام بها ، ثم استأنف التمتع بعد مقامه ، لم يلزمه دم ، لأنه تمتع وهو من أهل مكة ، ولو أن مكيًّا دخل العراق ونوى بها المقام ثم تمتع لزمه الدم لتمتعه ؛ لأنه تمتع وهو من أهل العراق ، ولكن لو تمتع العراقي ، ثم نوى المقام بمكة لم يسقط عنه دم التمتع ( فوجوبه عليه قبل مقامه قال الشافعي في الإملاء : فلو تمتع العراقي . فحين فرغ من عمرته نوى المقام بمكة قبل الإحرام بالحج لم يسقط عنه دم التمتع ) وهذا صحيح ؛ لأنه لا يصير مقيماً لمجرد النية ، إلا أن يقترن بها فعل الإقامة ، وهو لا يقدر على فعل الإقامة قبل حجه لما يجب عليه من الخروج إلى منى وعرفات ، فكان يعد في حكم المسافر ولم يسقط عنه دم التمتع .
فصل
: فإذا فرغ المتمتع من عمرته وأحل منها ، فهو حلال كغيره ، وله أن يتطيب ويستمتع بالنساء ، ما لم يحرم بالحج ، سواء ساق هدياً أو لم يسق .