الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص63
تعالى : ( سُبْحَانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ( الإسراء : 1 ) يعني : الحرم ؛ لأنه لم يكن حين أسري به في المسجد ، وإنما كان في منزل خديجة ، وقال تعالى : ( هُمُ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ ) ( الفتح : 25 ) يعني : الحرم . وقال تعالى : ( فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ ) ( التوبة : 28 ) وكل موضع ذكر الله تعالى في كتابه الحرام فإنه أراد به الحرم على ما دللنا إلا في قوله تعالى : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ( البقرة : 144 ) إنه أراد به الكعبة ، وإذا ثبت بما دللنا أن المراد بالمسجد الحرام : الحرم ، فحاضرو الحرم غير من في الحرم قال الله تعالى : ( وَسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ الّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ البَحْرِ ) ( الأعراف : 163 ) قال أهل التفسير : هي ‘ أبلة ‘ ومعلوم أنها ليست في البحر ، وإنما هي مقاربة للبحر ، فإذا ثبت أنهم غير أهل الحرم ، بطل قول مالك ومن قارب قوله وانتقل الكلام إلى أبي حنيفة ، فيقال له : حاضرو الحرم من كان قريباً منه دون من كان بعيداً ، كما يقال : كنت بحضرة فلان ، أي قريباً منه ، وهذه حضرة الملك للبلد الذي متوليه لأنه أقرب البلاد إليه ، فإن كان كذلك فاعتبار القرب بما لا تقصر فيه الصلاة أولى من اعتباره بالميقات ؛ لأمرين :
أحدهما : أن من فيه في حكم المقيم بمكة ، بدليل أنه لا يستبيح رخص السفر ، فكانوا بالقرب أولى من أهل الميقات الذين قد يستبيحون رخص السفر كالأباعد .
والثاني : أنه لا يختلف باختلاف الجهات ، والأمكنة ، ومواقيت البلاد مختلفة ، فميقات المشرق ذات عرق ، وهي على مسافة يوم ، وميقات المدينة ذو الحليفة ، وهي على مسيرة عشرة أيام ، فيؤدي إلى أن من كان فوق ذات عرق بذراع فهو بعيد من الحرم ، وليس من حاضريه ، وبينهما مسافة يوم ، ومن كان بذي الحليفة فهو قريب من الحرم ومن جملة حاضريه ، وبينهما عشرة أيام ، وهذا بعيد في المعقول فاسد في العبرة .
ويدل على مالك من طريق القياس أن يقال : كل من لم يستبح رخص السفر فهو من حاضري الحرم ، وكأهل ذي طوى .
فأما أبو حنيفة ، فالخلاف معه يتقرر في موضعين :
أحدهما : من كان فوق الميقات على مسافة لا تقصر في مثلها الصلاة ، فعنده أنه ليس من حاضري الحرم ، وعندنا أنه من حاضريه .
والدلالة عليه من طريق القياس ، أن من استباح رخص السفر لم يكن من حاضري الحرم ، كمن جاوز الميقات ، فأما الجواب عما استدل به مالك من الآية ، فقد مضى في الاستدلال بها عليه .