الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص30
أحدهما : أن المراد بالحج هو الإحرام به لا جميع أفعاله ، وليس الإحرام عندهم من الحج فسقط استدلالهم به .
والثاني : أن الله تعالى أطلق الأهلة ولم يبينها ، ثم بينها بقوله تعالى : ( الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ) ( البقرة : 197 ) في هذه الآية فوجب أن يكون المراد بما أطلق من الأهلة ما فسره في الآية الأخرى وأما الجواب عن قياسهم على العمرة ، فالمعنى فيه أنه لا يختص بعض أفعالها بوقت مخصوص ، فلذلك لم يختص الإحرام لها بوقت مخصوص ، فخالف الحج من هذا الوجه ، وأما قولهم لما جاز تقديمه على المكان كذلك على الزمان قلنا : إنما جاز تقديمه على المكان ، وهو الميقات لأن مجاوزته لا تجوز ولما كانت مجاوزة الزمان تجوز كان التقديم عليه لا يجوز ، ولو جاز التقديم عليه كما جاز مجاوزته لم يكن للحد فائدة ، وأما قولهم إنه لما انعقد الإحرام في وقت لا يجوز فيه فعل الحج دل على أنه لا يختص بزمان ، وأي أصل دلكم على هذا ، ثم هو باطل بالصلاة يصح الإحرام بها عقيب الزوال ، وإن لم يكن وقت الركوع والسجود .
وقال داود بن علي يبطل إحرامه ببطلان ما قصده ، وبما ذهبنا إليه قال به جابر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وعطاء فالدلالة على صحة رواية ابن عباس أن رسول الله ( ص ) سئل عمن يحرم بالحج قبل أشهر الحج فقال يهل بالعمرة ولأنه جمع في قصده بين الإحرام والحج ، فإذا أبطل الشرع حجه لم يبطل إحرامه ، ووجب صرفه إلى ما اقتضاه الوقت ، وهو العمرة كمن أحرم بصلاة الظهر قبل زوال الشمس لما لم تصح منه فرضاً لمنافاة الوقت صحت نفلاً .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، وبه قال سائر الفقهاء وحكي عن أبي حنيفة : أنه منع من العمرة في يوم النحر ، وأيام التشريق وهذا خطأ لقوله ( ص ) العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ولأنه لما لم يختص بعض أفعال العمرة بزمان لم يختص الإحرام لها بزمان كالطواف لها والسعي .