الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص9
الحج قبل زمانته لزمه الحج ، وإن لم يقدر عليه ، وقال مالك لا حج عليه بحال ولا يجوز ، أن يستأجر من يحج عنه في حال حياته ، فإن أوصى أن يحج عنه بعد وفاته جاز ، واستدل بقوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ للإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى ) ( النجم : 39 ) وفعل غيره ليس من سعيه ، وبقوله تعالى : ( وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ( آل عمران : 97 ) والمعضوب لا يستطيع السبيل إليه ، قال : ولأن كل عبادة لا تصح النيابة فيها مع القدرة لا تصح النيابة فيها مع العجز كالصيام والصلاة ودليلنا ما روي عن ابن عمر أن رجلاً قام عند نزول قوله تعالى : ( وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ( آل عمران : 97 ) فقال يا رسول الله ما السبيل ؟ فقال زادٌ وراحلةٌ فصار وجوب الحج متعلقاً بوجود الزاد والراحلة .
وروى سلمان بن يسار عن ابن عباس أن امرأة من خثعم ، قالت : يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة فهل ترى أن أحج عنه ، قال : نعم قالت : أو ينفعه ذاك ، فقال أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ؟ قالت : نعم قال : فدين الله أحق أن يقضى وفي هذا الحديث دليل على وجوب الحج عليه ، وعلى جواز النيابة عنه ولأنها عبادة يجب بإفسادها الكفارة ، فوجب أن يجب على المعضوب كالصيام ، فأما الجواب عن قوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ للإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ) ( النجم : 39 ) فقد وجد من المعضوب السعي ، وهو بذل المال ، والاستئجار ، وأما قياسه على الصلاة ، فالمعنى فيها : أنها لا تدخلها النيابة بحال .
قال مالك وأبو حنيفة : لا حج عليه تعلقاً بقوله ، ( ص ) ‘ السبيل زادٌ وراحلةٌ ‘ ولأنها عبادة على البدن ، فوجب أن لا تلزم ببذل طاعة الغير كالصلاة والصيام ، ولأن العبادة ضربان منها ما يتعلق بالأبدان ، فيجب بالقدرة عليها بالبدن كالصلاة والصيام ومنها ما يتعلق بالأموال ، فيعتبر في وجوبها ملك المال كالزكاة فأما أن تجب عبادة ببذل الطاعة فغير موجود في الأصول ، ودليلنا ما ذكرناه من حديث الخثعمية ، ووجه الدلالة منه هو أنها بذلت الطاعة لأبيها وأمرها رسول الله ( ص ) بالحج عنه ، من غير أن جرى للمال ذكر ، على أن الفرض ، وجب ببذل الطاعة ، لأنه السبب المنقول وروى عمرو بن أوس عن أبي رزين أنه قال : يا رسول الله إن أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال له النبي ( ص ) حج