الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص8
الأعيان ، فوجب أن لا يكون من شرط وجوبه المال كالصلاة والصيام ، ودليلنا قوله تعالى : ( وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ( آل عمران : 97 ) وفيها دليلان .
أحدهما : من جهة الاستنباط .
والثاني : من جهة البيان فأما الاستنباط فهو أن الأمر بالعبادة ، إذا ورد مطلقاً ، كانت القدرة على أدائها شرطاً في وجوبها ، فلما ضمنها الله تعالى بالاستطاعة ، قد علمنا أن وجوبها على غير مستطيع ، لا يجوز دل على أن انضمام ذلك لفائدة ، وهو الزاد والراحلة ، وأما البيان ، فهو ما روي عن ابن عمر أنه قال : لما نزل قول الله تعالى : ( وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ ) ( آل عمران : 97 ) قام رجل فقال : ما السبيل يا رسول الله ؟ فقال : زادٌ وراحلة فصار هذا بياناً منه لجملة الاستطاعة ، فإن قيل : إنما سأل الرجل عن استطاعة نفسه قيل لفظة السؤال تمنع من هذا التأويل ، لأنه قال ما الاستطاعة فسأل بالألف واللام ، فذلك إشارة إلى معهود أو مذكور والمذكور ما في الآية ، والمعهود استطاعة كل الناس فسقط أن يكون المراد بالسؤال استطاعة السائل ، وروي عن عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما أن رسول الله ( ص ) قال ‘ السبيل الزاد والراحلة ‘ فكان هذا بياناً لحكم الآية من غير سؤال ، وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله ( ص ) قال : من وجد زاد وراحلةً ، وأمكنه الحج فلم يفعل فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً فلما علق الوعيد بالزاد والراحلة ، علم أنه شرط في الوجوب وروى محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر قال قام رجل إلى النبي ( ص ) فقال له ما يوجب الحج فقال : الزاد والراحلة وهذا نص صريح ، ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة ، فوجب أن يكون الزاد والراحلة شرطاً في وجوبها كالجهاد ، فأما الجواب عن قوله : ( يَأْتُوكَ رِجَالاً ) ( الحج : 97 ) فقراءة شاذة غير مشهورة ، وقراءة الجماعة رجالاً ، بالتخفيف على أنه يحمل على أهل مكة ، وأما قياسهم على الصلاة ، فالمعنى فيه أنه لا يتعلق بقطع مسافة بعيدة .