الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج4-ص7
عن شبرمة فقال النبي ( ص ) ‘ إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج ‘ وروي عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه قال لشيخٍ كبيرٍ لم يحج إن شئت فجهز رجلاً يحج عنك ‘ .
قال الماوردي : وهذا كما قال أوجب الله تعالى الحج بالاستطاعة ، والاستطاعة تنقسم اثني عشر قسماً .
فالقسم الأول منها أن يكون مستطيعاً ببدنه وماله قادراً على زاد وراحلة واجداً لنفقته ، ونفقة عياله في ذهابه وعوده مع إمكان الزمان ، وانقطاع الموانع فعليه الحج إجماعاً ، واعتبار زاده وراحلته على حسب حاله في قوته وضعفه فإن استطاع ركوب الرحل والقتب ركب ، وإن لم يستطع إلا ركوب محمل ، أو ساقطة كان ذلك شرطاً في استطاعته .
والقسم الثاني : أن يكون مستطيعاً ببدنه قادراً على المشي عادماً للزاد والراحلة ، فهو على ضربين أحدهما أن يكون من أهل الحرم ، وحاضريه الذين بينهم ، وبين الحرم دون اليوم والليلة ، فإن وجد الزاد ، وعدم الراحلة ، وجب عليه الحج ، لأنه لا مشقة تلحقه في مشي هذه المسافة ، فصار كمن سمع آذان الجمعة يلزمه المشي إليها ، وإن عدم الزاد والراحلة جميعاً ، فله حالان :
أحدهما : أن يكون ذا صنعة يكتسب بها قدر كفايته ، وكفاية عياله ، ويفضل له مؤونة حجه ، فعليه الحج لأنه يتعلق بما فضل عن الكفاية ، وقد فضل .
والحالة الثانية : أن لا يكتسب بصنعته قدر كفايته ، ومتى اشتغل بالحج أضر بعيلته فلا حج عليه ، ومقامه على عياله أولى لقول النبي ( ص ) ‘ كفى المرء إثماً أن يضيع من يقوت ‘ .
والضرب الثاني : أن يكون بعيد الدار بينه وبين الحرم مسافة يوم وليلة وأكثر فلا حج عليه ، وهو في الصحابة قول عبد الله بن العباس وعمر بن الخطاب ، وفي التابعين قول سعيد بن جبير والحسن البصري وفي الفقهاء قول أبي حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وقال مالك : عليه الحج إذا كان مكتسباً أما بصنعة ، أو مسألة ، ونحوه عن عكرمة وابن الزبير تعلقاً ، بقوله تعالى : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً ) ( الحج : 27 ) وقرئ رجّالاً مشدداً أي مشاة ، وله يأتوك معناه ليأتوك رجالاً فأخبر بإيجاب الحج على المشاة ، والركبان وبقوله تعالى : ( وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ( آل عمران : 97 ) وذلك على عموم الظاهر في الاستطاعة ، قالوا : ولأنه فرض على الأبدان يجب على