الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص490
الحج والعبادات كلها ، إذا سقط موجب النذر فيها بالاستثناء والشرط ، وعادت إلى موجب الفعل لم يلزمه المضي فيها ، فوضع الفرق بينهما .
وأما شرط الخروج ، فلا يجوز مثله في الصلاة والصيام والحج ويجوز في الاعتكاف ، والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الخروج لا ينافي الاعتكاف لأنه قد يخرج لحاجة نفسه ، ويعود إلى اعتكافه ، وينافي الصلاة والصيام والحج ، لأنه لا يجوز له الخروج منه والعود إليه لحاجة ، ولا لغيرها .
والثاني : أن الاعتكاف لا يتقدر بزمان ولا يرتبط بعضه ببعض ، والصلاة قد ارتبط بعضها ببعض وتقدرت بعمل لا يجوز الاقتصار على بعضه ، وكذلك الصيام مقدر بزمان لا يصح إيقاعه في بعضه ، فلذلك ما افترق حكم الشرط في ذلك ، فإذا تقرر جواز اشتراط الخروج من الاعتكاف دون ما سواه من العبادات ، لم يخل حال ما اشترطه وخرج له من أحد أمرين إما أن يكون محظوراً ، أو مباحاً فإن كان مباحاً كاستقبال قادم ، أو اقتضاء غريم ، ولقاء سلطان أو كان مستحباً كعيادة مريض وتشييع جنازة ، أو كان واجباً كحضور الجمعة جاز ، ولزمه العود إلى اعتكافه والبناء عليه ، وتكون مدة خروجه مستثناة من نذره بالشرط كما أن أوقات الحاجة مستثناة بالشرع ، وإن كان محظوراً فعلى ضربين :
أحدهما : أنه ينافي الاعتكاف كالوطء فإن خرج من اعتكافه ، ووطئ بطل اعتكافه ، ولزمه استئنافه ولأن الوطء يمنع من البناء ، وينقض حكم ما مضى فصار بمثابة الوطئ في صومه .
والضرب الثاني : أنه لا ينافي الاعتكاف ولكنه ينقضه كالسرقة وقتل النفس المحرمة ففي بطلان اعتكافه وجهان :
أحدهما : قد بطل لأن اشتراط المعصية كلا اشتراط فصار بمثابة من خرج بغير شرط . والوجه الثاني : لا يبطل وله البناء عليه ، لأن نذره إنما ينعقد على ما سوى مدة الشرط ، فلم يكن نذر المدة مقصودة بالعمل والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، قد ذكرنا أن الاعتكاف غير مقدر بزمان بل يصح فعله في قليل الزمان وكثيره ، فإذا نذر اعتكافاً ولم يذكر قدره ، فإذا اعتكف ولو ساعة أجزأه لأن مطلق النذر يقتضي ما يقع عليه الاسم ، كما لو نذر صوماً أو صلاة أجزأه صوم يوم وصلاة