الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص459
قال الماوردي : وصورتها في رجل من المسلمين حبسه المشركون في مطمورة فاشتبهت عليه الشهور وأشكل عليه شهر رمضان ، فعليه أن يتحرى فيه ويجتهد ثم يصوم على غالب ظنه كما يجتهد في القبلة ، فإذا فعل ذلك ثم أطلق لم تخل حاله من أربعة أقسام :
أحدها : أن يبين له صواب اجتهاده ، وموافقته رمضان نفسه ، فإذا كان كذلك فقد أجزأه صومه ، وهذا قول الفقهاء كافة وقال الحسن بن صالح عليه الإعادة ، لأن العبادات لا يصح أداؤها مع الشك في دخول وقتها كالصلاة ، وهذا خطأ والدلالة عليه مع إجماع السلف قبله قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ( البقرة : 185 ) وهذا قد شهد الشهر وصامه ولأنه أدى العبادة باجتهاد ، فوجب إذا بان له صواب اجتهاده أن يجزيه كما لو اجتهد في القبلة ، وصلى وبان له صواب الاجتهاد ، وما ذكره من دخول الوقت ، فليس بينهما فرق لأنه إذا غلب على ظنه دخول الوقت فصلى أجزأه .
والقسم الثاني : أن يبين له صيام ما بعد رمضان فهذا يجزئه ، ولا إعادة عليه إلا فيما لا يصح صيامه من العيدين وأيام التشريق ، وإنما أجزأه لأن القضاء قد استقر في ذمته بفوات الشهر ، ثم وافق صومه زمان القضاء فكذلك أجزأه فإن بان له صيام شوال لم يخل حال الشهرين أعني رمضان وشوال من أربعة أقسام إما أن يكونا تامين ، أو ناقصين أو يكون شهر رمضان تاماً ، وشوال ناقصاً أو يكون شهر رمضان ناقصاً ، وشوال تاماً ، فإن كانا تامين لزمه قضاء يوم الفطر وحده وكذلك لو كانا ناقصين ، فإذا قضاه فقد أدى فرضه ، وأجزأه ، وإن كان شهر رمضان تاماً وشوال ناقصاً لزمه قضاء يومين ، يوم الفطر ويوم النقصان ، وإن كان شهر رمضان ناقصاً وشوال تاماً ، فقد أجزأه عن فرضه ، ولا قضاء عليه لأن يوم الفطر من شوال بدل من اليوم الناقص من رمضان ، ولو بان له أنه صام نصف رمضان ونصف شوال أجزأه إلا يوم الفطر فعليه قضاؤه ، ويكون نصف صومه قضاء ونصفه أداء .
والقسم الثالث : أن يبين له صيام ما قبل رمضان فذلك ضربان :
أحدهما : أن يكون شهر رمضان باقياً لم يفت فعليه إعادة الصوم فيه لا يختلف لقوله تعالى : ( فَمَنْ شِهِدَ مِنْكٌمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ( البقرة : 185 ) .
والضرب الثاني : أن يكون رمضان قد فات ومضى فمذهب الشافعي ، وما صرح به في كتبه وجوب الإعادة عليه ، وهو قول أكثر الفقهاء ، وقال في موضع من الأم ولو قال : إذا تأخر فبان له صيام ما قبله أجزأه ، كان مذهباً فمن أصحابنا من قال ليس هذا مذهباً له ، وإنما حكاه عن غيره ومذهبه وجوب الإعادة قولاً واحداً ، ومنهم من قال في وجوب الإعادة قولان :