الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص449
الخطر أولى ، وأما حديث كراع الغميم فمن المدينة إليه مسيرة أيام ، وقيل ذلك للمزني فرجع عنه ، وقال أضربوا عليه ولو كان الأمر على ما ذكروه ، لم يصح لهم الاستدلال به لأنهم لم يعلموا هل سافر قبل الفجر أو بعده ؟ وأما المريض فإنما جاز له الفطر للضرورة الداعية فيما أحدث ، بلا اختياره ، وليس كذلك السفر ، لأنه أنشأه مختاراً ، ولم تدعه الضرورة إلى الفطر فيه .
والمسألة الثالثة : أن ينوي الصيام من الليل ثم يسافر ، وهو لا يعلم هل سافر قبل الفجر ، أو بعده فهذا يلزمه إتمام صومه ، وليس له أن يفطر ، لأنه على يقين من حدوث السفر ، وفي شك من تقدمه ، وبالشك لا تباح الرخص .
المسألة الرابعة : أن لا ينوي الصيام أصلاً ، ثم يسافر بعد الفجر فهذا يفطر لإخلاله بالنية من الليل ، وعليه الإمساك ، لأن حرمة اليوم قد ثبتت بأوله ، وعليه القضاء لأنه مفطر بترك النية .
قال الماوردي : وهذا كما قال إذا رأى الهلال وحده ، فقد تعلق عليه حكم العبادة وسواء حكم القاضي بقوله أم لا ، فإن كان هلال رمضان لزمه الصيام ، وإن كان هلال شوال لزمه الإفطار ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال أحمد بن حنبل ومالك : يلزمه الصيام في هلال رمضان ، ولا يجوز له الإفطار في هلال شوال وقال الحسن وعطاء ، وشريك وإسحاق لا يلزمه الصيام ولا يجوز له الإفطار ، بل هما في الحكم سيان ، وهذا خطأ لقوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ( البقرة : 185 ) فحتم الصوم على من شهده ، ولقوله ( ص ) ‘ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ‘ فعلق الحكم بالرؤية فإذا ثبت هذا ورأى هلال شوال وحده فله أن يأكل حيث لا يراه أحد خوفاً من التهمة ، وعقوبة السلطان ، وإن رأى هلال رمضان لزمه الصيام ، فإن جامع فيه لزمه الكفارة ، وقال أبو حنيفة : لا كفارة عليه لأنه يوم محكوم به من شعبان فوجب ، أن لا تلزمه الكفارة قياساً على يوم الشك ، ولأن ذلك شبهة فوجب إدراء الحد ، وهذا خطأ ، لأنه يوم لزمه صومه من رمضان فوجب ، أن تلزمه الكفارة ، إذا هتك حرمته بالوطء .
أصله : إذا حكم القاضي بشهادته ، فأما قياسه على يوم الشك فغير صحيح لأنه لم يلزمه صومه عن رمضان ، وهذا يوم لزمه صومه عن رمضان .