الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص448
من أفطر بالأكل فأما إذا نوى الصوم في سفره ، ثم قدم ناوياً فهل يلزمه إتمام صومه أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي يلزمه إتمام صومه ، ولا يجوز له الفطر ، لأن زوال السفر قد رفع حكم الإباحة كالمسافر إذا نوى القصر ، ثم أقام لزمه الإتمام .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وقد نص عليه الشافعي ، في حرملة أنه على خياره إن شاء صام ، وإن شاء أفطر لأن حكم اليوم معتبر بأوله ألا تراه لو نوى الصوم مقيماً ، ثم سافر لم يجز له أن يفطر اعتبار بحكم أوله ، فكذلك إذا نوى الصوم مسافراً ، ثم أقام فله أن يفطر اعتباراً بحكم أول اليوم ، فلو نوى الصوم في السفر ثم أراد أن يفطر في سفره فله ذلك ، ولو نوى إتمام الصلاة ثم أراد القصر لم يجز له ، والفرق بينهما أن الفطر يضمن بالقضاء وعذر الإفطار قائم بدوام السفر ، وليس كذلك القصر لأنه لا يضمن بالقضاء ، وقد ضمن الإتمام على نفسه فلهذا المعنى فصل بينهما .
قال الماوردي : وهذا الفصل يشتمل على أربع مسائل :
أحدها : أن يبتدئ السفر قبل الفجر فلا شبهة أنه بالخيار إن شاء صام ، وإن شاء أفطر لأنه ابتدأ السفر في زمان يجوز له الفطر فيه فلذلك لم يتحتم عليه صوم ذلك اليوم .
والمسألة الثانية : أن ينوي الصيام ، وهو مقيم ثم يسافر بعد الفجر ، فمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة أن عليه أن يتم صومه وليس له أن يفطر ، وحكي عن أحمد بن حنبل وإسحاق وهو مذهب المزني أن له الخيار في الصوم والإفطار تعلقاً بأن رسول الله ( ص ) خرج عام الفتح من المدينة صائماً فلما بلغ كراع الغميم أفطر فحصل صائماً في أول النهار مفطراً في آخره ، قالوا : ولأن الفطر إنما أبيح بأحد شيئين ، المرض ، والسفر ، ثم تبت أن للمريض أن يفطر في أثناء النهار ، وأن صام في أوله فكذلك المسافر وهذا خطأ ، والدلالة عليهم قوله تعالى : ( وَلاَ تُبْطِلُواْ أعْمَالَكُمْ ) ( محمد : 33 ) لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر فوجب إذا ابتدأها في الحضر ثم طرأ عليه السفر ، أن يغلب حكم الحضر كالصلاة والمسح على الخفين ، ولأنه قد خلط إباحة بحظر ولا بد من تغليب أحدهما في الحكم ، فكان تغليب