الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص437
أن عليهما القضاء والكفارة في كل يوم مد من حنطة ، وبه قال مجاهد وأحمد وقال الشافعي : في كتاب ‘ البويطي ‘ تجب الكفارة على المرضع دون الحامل ، وبه قال مالك وقال أبو حنيفة والثوري وأبو عبيد وأبو ثور والمزني : لا كفارة على واحدة منهما ، وإنما يتسحب ذك لهما ومن أصحابنا من خرجه قولاً ثالثًا للشافعي ، ومنهم من أنكره وحكي عن عمر وابن عباس أنهما أوجبا الكفارة ، وأسقطا القضاء واستدل أبو حنيفة ومن تابعه برواية أنس بن مالك أن رسول الله ( ص ) قال : ‘ إن الله وضع على المسافر شطر الصلاة ووضع الصوم عن المريض والمسافر والحامل والمرضع ‘ . فاقتضى ظاهر هذا الخبر ، أن أحكام الصوم موضوعة من كفارة ، وقضاء إلا ما قام دليله من وجوب القضاء قالوا : ولأنه إفطار بعذر فوجب أن لا تلزم به الكفارة ، كالمسافر والمريض ، قالوا : ولأن الأعذار في الفطر ضربان :
ضرب يوجب القضاء ، ويسقط الكفارة كالسفر والمرض .
وضرب يوجب الكفارة ويسقط القضاء كالشيخ الهرم فأما اجتماعهما بعذر فخلاف الأصول ، ومما استدل به المزني ، أنه قال إذا كان الأكل عامداً لا كفارة عليه مع كونه آثماً عاصياً ، فالحامل والمرضع اللذان لم يعصيا بالفطر ، ولم يأثما به ، أولى أن لا تجب عليهما الكفارة ، وهذا خطأ والدلالة على وجوب الكفارة عليه قوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكينٍ ) ( البقرة : 184 ) والحامل والمرضع ممن يطيق الصيام فوجب بظاهر هذه الآية أن تلزمهما الفدية ، فإن قيل : فهذه الآية منسوخة بقوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ( البقرة : 185 ) فحتم الصوم على المطيقين ، وأسقط عنهم الفدية قيل : إنما نسخ منها التخيير ، فيما عدا الحامل والمرضع على حكم الأصل لاتفاقهم على جواز الفطر لهما ، مع الطاقة والقدرة فبقيت الحامل والمرضع على حكم الأصل ، ولأنها مقيمة صحيحة باشرت الفطر بعذر معتاد فوجب أن تلزمها الكفارة كالشيخ الهرم ولأن الصوم عبادة يجتمع فيها القضاء والكفارة العظمى فجاز أن يجتمع فيها القضاء والكفارة الصغرى كالحج ، ولأن الفطر فطران فطر بعذر ، وفطر بغير عذر ، ثم كان الفطر بغير عذر يتنوع نوعين ، نوع يثبت به القضاء حسب وهو الأكل ، ونوع يثبت به القضاء والكفارة وهو الجماع فكذلك يقتضي أن يتنوع الفطر بعذر نوعين ، نوع يجب به القضاء حسب ونوع يجب به القضاء والكفارة ، وإن شئت حررت هذا فقلت : لأنه أحد نوعي الفطر فجاز أن يكون منه ما يجب به القضاء والكفارة كالإفطار بغير عذر ، فأما الخبر فلا حجة فيه لأن سقوط انحتام الصوم ، لا يؤذن بسقوط الكفارة ألا ترى الشيخ الهرم قد سقط عنه انحتام الصوم ، ولزمته الكفارة وقياسهم على