الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص403
صوماً مطلقاً ، لم يجزه ، وكذلك لو نوى نذراً أو كفارة أو تطوعاً لم يجزه عن رمضان ، ولا عما نواه ، وقال أبو حنيفة : إن كان مقيماً انصرفت نيته إلى رمضان ، وإن كان مسافراً صح له ما نواه إلا أن يطلق النية ، أو ينوي صوم التطوع فتنصرف نيته إلى صوم رمضان ، وسوى أبو يوسف ومحمد حكم السفر والحضر وصرفا النية فيهما إلى صوم رمضان واستدل من نصر قول أبي حنيفة بأن قال : زمان رمضان مستحق للصوم ، والشيء إذا تعين زمان استحقاقه لم يفتقر إلى تعيين النية له كزمان الفطر ، قالوا : ولأن النية إنما يقصد بها في الصوم تمييز إمساك العبادة من إمساك العادة والتعيين إنما يقصد به تعيين الفرض من النفل ، ووجدنا صوم رمضان لا يتنوع فرضاً ونفلاً ، فوجب أن لا يفتقر إلى تعيين النية له قالوا : وقد قال الشافعي مثل ذلك في الحج فيمن أحرم بحجة تطوع وعليه حجة الإسلام أنها تنتقل إلى فرضه ، وكذلك في صوم رمضان إذا نواه عن نذر وكفارة ، أو تطوع انتقلت بنته إلى فرضه والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ( البقرة : 185 ) ومعلوم أن هذه الهاء كناية عن الشهر وعائدة إليه ، فيصير تقدير الكلام فلينو الصيام له ، ولو أراد جنس الصوم مطلقاً ، لقال : فليصم فلما قيده بالهاء دل على وجوب تعيين النية له ، ويدل عليه قوله ( ص ) ‘ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى ‘ فصريحه أن له ما ينويه ودليله أنه ليس له ما لم ينوه ، وهذا إذا نوى تطوعاً لم ينو صوم رمضان ، فوجب أن لا يقع الاحتساب له بشيء لم ينوه ، وكان الظاهر يعطي حصول التطوع له غير أن دليل الإجماع أبطله ، ولأنها عبادة يفتقر قضاؤها إلى تعيين النية ، فوجب أن يفتقر أداؤها إلى تعيين النية ، أصله الصلاة وعكسه الحج ، لأن كل ما كان شرطاً في الصوم قضاء كان شرطاً فيه أداء كأصل النية ، ولأن البدل من شأنه أن يساوي حكم مبدله ، أو يكون أخف منه ، وأضعف ، فإما أن يكون آكد منه وأقوى فلا ، ثم كان تعيين النية في القضاء واجباً ، فبأن يكون واجباً في الأداء أولى ، وأما قولهم : إن زمان رمضان مستحق الصيام ، فلم يفتقر إلى تعيين النية ، قلنا فاسد بمن بقي عليه من وقت الصلاة قدر ما يفعلها فيه فقد استحق زمان فعلها ووجب عليه تعيين النية فيها ثم يبطل بالمسافر ، لأنهم يقولون لو نوى رمضان عن نذر أو كفارة أجزأ عما نواه ثم لا يلزمه تعيين النية فيه ، فعلم فساد هذا القول ، وأما قولهم : إن التعيين إنما يراد لما يتنوع فرضاً ونفلاً ، فيفسد أيضاً بمن عليه صلاة فائتة فإنه يلزمه تعيين النية لها ، وإن لم تتنوع تلك الصلاة ، وأما ما ذكروه من الحج فغير صحيح ، لأننا مجمعون على الفرق بين الصيام والحج ، لأن عندنا أنه إذا أحرم بحجة التطوع انتقل إلى فرضه ، وأجزأه وعند أبي حنيفة : لا ينتقل عما نواه وعند أبي حنيفة إذا نوى صيام التطوع انتقل إلى فرضه وأجزأه ، وعندنا أنه لا ينتقل إلى فرضه ، ولا يجزيه عما نواه وإذا وقع الفرق بينهما إجماعاً لم يجزه اعتبار أحدهما