الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص391
حينئذ أن يتصدق بشيء من ماله فقد روى أبو هريرة أن رسول الله ( ص ) قال : ‘ والذي نفسي بيده ما من عبدٍ يتصدق بصدقةٍ من كسبٍ طيب ولا يقبل الله إلا طيباً ولا يصعد إلى السماء إلا طيباً كما يضعها في يد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه حتى اللقمة فتأتي يوم القيامة وإنها لمثل الجبل العظيم ‘ ثم قرأ : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَات ) ( التوبة : 104 ) واختلف الناس في قدر ما يستحب له أن يتصدق به .
فقال قوم : بجميع ماله كفعل أبي بكر رضي الله عنه .
وقال آخرون ينصفه كفعل عمر رضي الله عنه .
وقال آخرون : بثلثه ، كفعل ابن عمر رضي الله عنه والذي عندنا أن الاستحباب في ذلك معتبر بحال المصدق ، فإن كان حسن اليقين قنوعاً لا يقنطه الفقر ، ولا يسأل عند العدم فالأولى أن يتصدق بجميع ماله ، فقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أمرنا رسول الله ( ص ) أن تتصدق فوافق ذلك مالاً عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر رضي الله عنه إن سبقته يوماً فجئت بنصفِ مالي فقال ما أبقيت لأهلك قلت مثله قال وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له النبي ( ص ) ما أبقيت لأهلك فقال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبداً فرسول الله ( ص ) إنما أقر أبا بكر رضي الله عنه على ذلك واستحسنه لما علم من قوة إيمانه وصحة يقينه ، وقال ( ص ) ‘ أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ‘ فأما من كان ضعيف اليقين يطعنه الفقر ، ويسأل عند العدم فالأولى أن لا يتصدق بجميع ماله بل يتصدق بحسب حاله ، ألا ترى إلى ما روى محمود بن لبيد عن جابر قال ‘ كنا عند النبي ( ص ) إذ جاء رجل بمثل بيضةٍ من ذهبٍ فقال يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقةٌ لا أملك غيرها فأعرض عنه حتى أتى بها مراراً فأعرض ثم أخذها فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته ثم قال يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقةً ثم يقعد فيسأل الناس خير الصدقات ما أبقت عنى ‘ وأراد غيلان بن سلمة أن يوصي بماله