الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص260
المفضي جميع ذلك إلى اختلاف الأمور ، وفساد أحوال الجمهور فأما جواز المعاملة بها ووجوب الزكاة فيها ، فهما فصلان :
نبدأ بأحدهما : وهو جواز المعاملة بها : اعلم أن المغشوش ضربان : ضرب يكون غشه لرداءة جنسه ، فتكره المعاملة به لمن لا يعرفه إلا بعد إعلامه ، لما فيه من الغرور والتدليس وفي مثل ذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من زافت دراهمه فليأت السوق فليشتري بها الثوب السميق ، وقد ذكرنا وجوب الزكاة فيه .
والضرب الثاني : ما كان غشه من غيره لا من جنسه كالفضة المختلطة بغيرها ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون قدر فضته معلوماً ، وجنس ما خالطه وغش به معروفاً ، قد اشتهرت حاله عند الكافة وعلمه الخاصة والعامة لا يختلف ضربه ولا يتناقض فضته ، فالمعاملة به جائزة حاضراً بعينه وغائباً في الذمة .
والضرب الثاني : أن يكون قدر فضة مجهولاً ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون ما خالط الفضة مقصوداً له قيمة كالمس والنحاس .
والضرب الثاني : أن يكون مستهلكاً لا قيمة له كالزئبق الزرنيخ ، فإن كان مقصوداً فعلى ضربين :
أحدهما : أن تكون الفضة والغش غير ممتزجين .
والثاني : أن يكون ممتزجين ، فإن كانت الفضة غير ممازجة للغش من النحاس والمس وإنما الفضة على ظاهرها والمس في باطنها ، فالمعاملة بها غير جائزة ، لا معينة ولا في الذمة ، لأن الفضة وإن شوهدت فالمقصود الآخر غير معلوم ولا مشاهد ، كما لا تجوز المعاملة بالفضة المطلية بالذهب ، لأن أحد مقصوديها غير معلوم ولا مشاهد ، وإن كانت الفضة ممازجة للغش من النحاس والمس لم تجز المعاملة بها في الذمة للجهل بها ، كما لا يجوز السلم في المعجونات للجهل بها ، وفي جواز المعاملة بها إذا كانت حاضرة معينة وجهان :
أحدهما : لا يجوز للجهل بمقصودها كتراب المعادن .
والوجه الثاني : يجوز وهو أظهر وبه قال أبو سعيد الأصطخري وأبو علي بن أبي هريرة كما يجوز بيع الحنطة المختلطة بالشعير إذا شوهدت وإن جهل قدر كيل واحد منهما ، وكما يجوز بيع المعجونات إذا شوهدت وإن لم يجز السلم فيها ، وخالف بيع تراب المعادن لأن