الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص227
إذا خرص الثمار على أربابها وعرف قدرها بعد جفافها أثبت قدر الزكاة عليهم وخلى بينهم وبين ثمارهم ، ليقوموا بحفظها ويتولوا أمر الإنفاق عليها فإن اختاروا أن تكون بأيديهم أمانة فعل ، ولم يكن لهم التصرف فيها ، وإن اختاروا أن تكون مضمونة عليهم ضمنهم قدر زكاتها ، وجاز لهم التصرف فيها ، فإذا تصرفوا ضمنها فيكون التضمين مبيحاً للتصرف ، والتصرف موجباً للضمان ، إلا أن يكون رب المال ممن لا يصح ضمانه لصغر أو جنون أو سفه فلا يجوز تضمينه إلا أن يضمنها وليه .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا خرص الخارص ثمرة رجل وسلمها إليه أمانة أو مضمونة فادعى تلفها ، أو تلف شيء منها بجائحة سماء كبرد أو جراد أو جناية آدمي كسرقة أو حريق لم تخل دعواه من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يعلم استحالتها وكذبها ، فلا تسمع بحال ، وتؤخذ منه الزكاة .
والحال الثانية : أن يعلم صدقها وحدوثها ، فهي مسموعة وقوله فيها مقبول ولا يمين عليه ، ولا زكاة ، سواء أخذها أمانة أو ضماناً ، لأنه إن أخذها أمانة فالأمين لا يضمن إلا بالتعدي ، وإن أخذها مضمونة فالضمان لا يلزمه إلا بالتصرف ، وإنما لم يلزمه الضمان وإن شرط عليه إلا بالتصرف ، لأن أصل الزكاة أمانة غير مضمونة ، وما كان أصله غير مضمون لم يلزم فيه الضمان بالشرط فإن قيل ما الفائدة في ضمانه قلنا : جواز التصرف المؤدي إلى الضمان .
والحالة الثالثة : أن يكون ما ادعاه مجوزاً لا يقطع بصدقه ولا كذبه فالقول قوله فيما ادعاه ، لأنه أمين وما ادعاه ممكن به ، فإن اتهم أحلف وفي اليمين وجهان :
أحدهما : استظهار ، فإن نكل عنها لم تؤخذ منه الزكاة .
والثاني : واجبة فإن نكل عنها أخذت منه الزكاة بالوجوب المتقدم لا بالنكول فإذا ثبت أن دعواه مسموعة وقوله مقبول نظر فإن لم يبق من الثمرة شيء فلا مطالبة عليه ، وإن بقي بعضها نظر في البعض ، فإن كان نصاباً ففيه الزكاة ، وإن كان أقل من نصاب فعلى قولين مبنيين على اختلاف قوليه في الإمكان هل هو من شرائط الضمان أو من شرائط الوجوب ؟ فإن قيل هو من شرائط الضمان ففيه الزكاة ، وإن قيل من شرائط الوجوب فلا زكاة ، ومن أصحابنا من قال : عليه زكاة ما بقي قولاً واحداً ، وجعل وجوب الزكاة في الثمار معتبراً ببدو الصلاح دون الإمكان .