الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص224
وتمحيق صدقتهم ، وإن مكنوا بخرص ارتفق أرباب الأموال بتعجيل المنفعة ، وارتفق المساكين بحفظ الصدقة ، فكان الخرص رفقاً بالفريقين وفي المنع منه ضرر من وجهين ، فأما الجواب عن خبر ابن جابر فهو وارد في البيع ، بدليل نهيه عن المزابنة وإرخاصه في العرايا أن تباع بخرصها تمراً فيما دون خمسة أوسق ، وأما قولهم إن الخرص تخمين وحدس لاختلافه فغلط ، إنما هو اجتهاد وليس وجود الاختلاف فيه لأنه اجتهاد ، وأما قولهم لما لم يجز الخرص في الزروع لم يجز في الثمار ، فالفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن للزرع حائلاً يمنع من خرصه ، وليس لثمر النخل حائلاً يمنع من خرصه .
والثاني : أن الحاجة غير داعية إلى خرص الزروع ، لأن الانتفاع بما قبل الحصاد غير مقصود ، وأما قولهم لما لم يجز خرصها على الأرض بعد الجداد لم يجز قبله ، فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن ما على الأرض يمكن كيله ، فلم يجز خرصه ، لأن الكيل نص والخرص اجتهاد ، وما على النخل لا يمكن كيله فجاز خرصه ، لأن فقد النص مبيح للاجتهاد .
والثاني : أن ما على الأرض يمكن أخذ زكاته في الحال فلم يحتج إلى تقديره بالخرص ، وما على النخل لا يمكن أخذ زكاته في الحال فاحتاج إلى تقدير بالخرص ، وأما قولهم إن ما يقصد به من معرفة القدر باطل ومن التضمين فاسد ، فالجواب عنه أن يقال إنما أبطلتم الخرص ، لأن رب المال لو ادعى غلطاً أو نقصاناً صدق وهذا فاسد بعد الماشية لأنها تعد على ربها ولو ادعى غلطاً يمكن مثله صدق ، وأبطلتم التضمين لأنه بيع رطب حاضر بثمن غائب ، وهذا ليس ببيع من وجهين :
أحدهما : أن الزكاة تخرج من ثمرها لا من رطبها .
والثاني : أن ما ضمنه من الزكاة هو الواجب فيها ، لا أنه بدل الواجب منها ، فثبت جواز الخرص بما ذكرنا والله أعلم .