الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص181
وتحرير ذلك قياساً أنه أحد مقدري الزكاة فوجب أن لا يقيم غير مقامه ، وإن كان في معناه كالنصاب ، ولأن الزكاة تشتمل على مال مزكى وقدر مؤدى ، فلما كان المال المزكى مخصوصاً في بعض الأموال دون بعض وجب أن يكون القدر المؤدى مخصوصاً في بعض الأموال دون بعض .
وتحرير ذلك قياساً : أنه أحد نوعي الزكاة فوجب أن يكون في مال مخصوص كالمال المزكى ، فأما الجواب عن قوله ‘ أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم ‘ فهو مجمل ؛ لأنه لم يذكر قدر ما يستغنون به ، ولا جنسه ، وقد رواه ابن عمر مفسراً ، فكان الأخذ به أولى .
وأما الاحتجاج بقوله ‘ فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ‘ فهو دلالة عليهم من وجهين ذكرناهما .
وأما احتجاجهم بحديث معاذ فلا دلالة فيه ، لأنه وارد في الجزية لا في الزكاة ، ألا ترى أن رسول الله ( ص ) أمره أن يأخذ في الزكاة من الحب حباً ، ثم عقب ذلك بالجزية فقال : خذ من كل حالم ديناراً أو عد له من معافر اليمن . فإن قيل : فقد قال معاذ ‘ أخذه منكم مكان الذرة والشعير ‘ وذلك غير واجب في الجزية ، قيل : يجوز أن يكون معاذ عقد معهم الجزية على أخذ الشعير من زروعهم ، يوضح أن ذلك من الجزية لا من الزكاة إن معاذاً قال فإنه أنفع للمهاجرين والأنصار بالمدينة ، والزكاة لا يجوز نقلها من جيران المال إلى غيرهم ، سيما عند معاذ الذي يقول أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته . فثبت أن ذلك في الجزية التي يجوز نقلها .
وأما قياسهم على مال التجارة فغير صحيح ، لأن الزكاة تجب في قيمة الفرض ، وتخرج زكاة القيمة إلا أنها تجب في الفرض وتخرج قيمة الغرض ، وإن قياسهم على المنصوص عليه فباطل بإخراج نصف صاع عن صاع ، وشاة عن شاتين ، ثم المعنى في الأصل أنه منصوص عليه ، فلذلك جاز إخراجه ، وليست القيمة منصوصاً عليها فلذلك لم يجز إخراجها ، وأما قولهم لما جاز العدول من العين إلى الجنس جاز العدول من جنس إلى جنس ، فهذا قياس العكس ، على أن الواجب عليه أن يزكي من جنس ماله لا من عين ماله فلم يكن في ذلك عادلاً عما وجب عليه إلى غيره .