الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص94
وقال أبو العباس بن سريج الخيار إلى رب المال في دفع الحقاق إن شاء أو بنات اللبون إن شاء ، كما كان له الخيار فيما بين السنين بين شاتين ، أو عشرين درهماً ، وما قاله الشافعي أصح ، لأن المال إذا اشتمل على صنفين جيد ورديء لم يجز إخراج فرضه من الرديء ، ولزم إخراجه من الجيد ، كما لو اجتمع في ماله صحاح ومراض أو صغار وكبار ، فأما ما ذكره أبو العباس بن سريج في الخيار على الدراهم ، أو الشاتين فالفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن العشرين درهماً أو الشاتين متعلقة بذمة رب المال دون ماله ، ومن لزمه في الذمة أخذ حقتين كان مخيراً في دفع أيهما شاء ، والفرض في الحقاق أو بنات اللبون متعلق بالمال لا بالذمة ، فكان الخيار في الأخذ إلى مستحقه .
والثاني : أنه لما جاز لرب المال العدول إلى العشرين درهماً أو الشاتين إلى ابتياع الفريضة الواجبة عليه كان مخيراً بين الدراهم أو الشاتين ، ولما لم يجز لرب المال العدول عن هذين الفرضين إلى غيرهما لم يكن مخيراً فيهما .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن مذهب الشافعي أن على المصدق أن يأخذ أفضل الفرضين من المال إذا اجتمعا فيه ، فإن أخذا دونهما أو أقلهما دفعه للمساكين فله حالان :
أحدهما : أن يأخذ عن اجتهاد .
والثاني : عن غير اجتهاد فإن أخذه عن اجتهاد فقد أجزأ رب المال ، لا يختلف فيه ، وهل عليه إخراج الفضل أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : إخراج الفضل الذي بين السنين ، لأنه أعطي دون الواجب عليه فكان كمن أعطاه شاة وعليه شاتان :
والوجه الثاني : ليس عليه إخراج الفضل وقد أجزأه ما أداه ، لأنه لو وجب عليه إخراج الفضل بعد أداء الغرض لاقتضى أن لا يقع المؤدي موقع الآخر ، ولو لم يقع موقع الآخر لوجب رده ، فلما لم يجب رده دل على أجزائه ، ومن قال بالأول انفصل عن هذا بأن قال : إنما لم يلزمه رده لأنه بعض ما وجب عليه ، والمصدق إن أخذ بعض الواجب كان له المطالبة بالباقي ولم يلزمه رد ما أخذ وإن كان المصدق في الأصل قد أخذ ذلك من غير اجتهاد ، فهل يجزي ذلك رب المال أم لا ؟ على وجهين :