پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص17

والنكاح في الدنيا مرتفع بالموت ، ألا ترى أنه عليه السلام تزوج أمامة بنت أبي العاصي بعد فاطمة وهي بنت زينب بنت رسول الله ( ص ) ، وتزوج عثمان رضي الله عنه بنتي رسول الله ( ص ) واحدة بعد أخرى ، فلو كان سبب النكاح باقياً لحرم على عليّ عليه السلام تزويج أمامة ، وعلى عثمان تزويج أم كلثوم بعد رقية ، ولأنها زوجية زالت بالوفاة فوجب أن لا يتعلق بها تحريم النظر قياساً على موت الزوج ، ولأنه معنى تزيل التكليف فوجب أن لا يحرم كالجنون ، ولأن أصول النكاح مبنية على أن كل شيء أوجب تحريم نظر أحدهما لم يوجب تحريم نظر الآخر كالإيلاء والظهار ، فلما كان الموت لا يوجب تحريم نظر الزوج اقتضى أن لا يوجب تحريم نظر الزوجة .

فأما الجواب عن قوله ( ص ) ‘ لا ينظر الله إلى امرئٍ ينظر إلى فرج امرأة وبنتها ‘ فقد قال أهل العلم : المراد به أن يجمع بينهما في النكاح ، على أنه قد يمنع من النظر إلى فرجها ، وأما قياسهم على الطلاق فالمعنى فيه أنه لما لم يجز لها النظر إليه لم يجز له النظر إليها ، ولما جاز لها النظر في الموت إليه جاز له النظر إليها .

وأما الجواب على قولهم أنه لما كان له أن ينكح غيرها لم يحل له أن يغسلها : فدعوى لا برهان عليها ، وليس تفردها بالعدة موجباً لتفردها لعصمة الزوجية ، لأن العدة لا مدخل لها في إباحة النظر وحظره ألا ترى أنه لو طلقها ومات في عدتها لم يحل لها النظر إليه ، وإن كانت في عدة منه ، ولو مات منها وهي حامل فوضعت قبل غسله جاز لها النظر إليه وإن لم تكن في عدة منه ، فعلم أن ثبوت العدة كعدمها في إباحة النظر وحظره .

فصل

: فإذا ثبت أن للزوج أن يغسل زوجته فيستحب أن يغسلها ذات محرم من نساء أهلها ، فإن لم يكن فذات رحم منهن ، فإن لم يكن فامرأة من المسلمين ، لأن النساء أولى بالنساء ، والزوج أولى الرجال بزوجته ، فلو أن مسلماً ماتت له زوجة ذمية جاز له أن يغسلها إن رضي أولياؤها من أهل ملتها ، ولو أن مسلماً مات وله زوجة ذمية .

قال الشافعي كرهت أن تغسله ، لأن ذلك فرض على أهل دينه المسلمين ، فإن غسلته جاز لحصول الغسل المأمور به ، فإن قيل فلو أن ميتاً غسله السيل أو المطر لم يجزه وإن كان الغسل موجود قلنا لأن الغسل لا يجب على الميت وإنما يجب علينا في الميت فإذا غسله السيل والمطر لم يجز لأن الفعل منا لم يوجد وكذا الغريق غسله واجب لما ذكرنا فإن قيل فهلا وجبت النية في غسل الميت لأنها طهارة واجبة قلنا فيه لأصحابنا وجهان :

أحدهما : أن النية واجبة لأنها طهار واجبة .

والوجه الثاني : أن النية غير واجبة وهو أشبه بنص الشافعي ، لأنه فرض على الكفاية لا يتعين على شخص دون شخص ، فلما لم تجب فيه النية وإن وجبت في غيره .