الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج3-ص8
قال الماوردي : وهذا كما قال ينبغي أن يرتاد لغسل الميت موضع مستور ليخفى عن أبصار الناس فلا يشاهدوه .
واختلف أصحابنا هل يختار غسله تحت سقف أو سماء ؟ فقال بعضهم : تحت سقف ؛ لأن ذلك أصون له وأحرى ، وقال آخرون : تحت السماء لتنزل عليه الرحمة ، ويستحب للغاسل إن أمكنه ترك الاستعانة بغيره أن يفعل ، فإن لم يمكنه استعان بمن يثق بدينه وأمانته ، ويقف حيث لا يرى الميت ، فإن لم يمكنه إلا الدنو منه دنا وغض طرفه وبصره ، فأما الغاسل فينبغي أن يكون موثوقاً بدينه وأمانته ، عارفاً بغسله ونظافته ، غاضاً طرفه وبصره حسب طاقته وإمكانه ، لكيما يشاهد من أحوال الميت ساتراً عليه .
قال الماوردي : وهذا صحيح يختار اتخاذ إناءين كبير بالبعد ، وصغير بالقرب ، وإناء يغترف به من الكبير ويصبه في الصغير ، حتى لا يفسد الماء بما يتطاير من غسله ، ووجه فساده إما بكثرة ما يتطاير مما ينفصل من غسله حتى يصير مستعملاً ، وأما لنجاسة تخرج منه تنجس ما انفصل عنه وقال أبو القاسم الأنماطي وأبو العباس بن سريج بل ذلك لنجاسة الميت ، فذهبا إلى تنجيسه استدلالاً بذلك من مذهبه ، ولأن ما انفصل من أعضائه في حال الحياة نجس لفقد الحياة ، فكذلك جملته بعد الوفاة .
وذهب أبو إسحاق المروزي وسائر أصحابنا : إلى طهارة الميت كطهارة الحي ، وهو ظاهر نص الشافعي في كتاب الأم استدلالاً بقوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) ( الإسراء : 70 ) فلما طهروا أحياء لأجل الكرامة وجب أن يخصوا بها أمواتاً لأجل الكرامة قال ( ص ) : ‘ لا تنجسوا موتاكم ‘ وقال ( ص ) : ‘ المؤمن لا ينجس ‘ وقبل رسول الله ( ص ) عثمان بن مظعون بعد موته ودموعه تجري على خده فلو كان نجساً لما قبله مع رطوبته ، ولأنه لو كان نجساً لما تعبدنا بغسله ، لأن غسل ما هو نجس العين يزيد تنجيساً ولا يفيده الغسل تطهيراً ، فأما ما انفصل من أعضائه في حال الحياة فقد كان الصيرفي يحكم بطهارته أيضاً ،