الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص509
وإن كان في وقت الجمعة بدأ بصلاة الخسوف وخفف فقرأ في كل ركعة بأم القرآن وقل هو الله أحد وما أشبهها ثم يخطب للجمعة ويذكر فيها الخسوف ثم يصلي الجمعة ‘ .
قال الماوردي : وصورة هذه المسألة : أن يجتمع عيد وخسوف ، واستسقاء ، وجنازة ، فالأولى تأخير الاستسقاء ، لإمكان فعله في كل زمان ، ثم يبدأ بالصلاة على الجنازة إن حضرت ، لتأكيدها ، ولما أمر به من المبادرة بها ، مع ما يخاف من تغيير الميت والتأذي به ، ثم يصلي الخسوف ، ثم العيد بعده ، لأن بقاء وقت للعيد متيقن إلى زوال الشمس ، وبقاء الخسوف غير متيقن ، وربما أسرع تجليه ، فإن ضاق وقت العيد وعلم أنه إن اشتغل بصلاة الخسوف لم يدرك صلاة العيد بدأ بصلاة العيد أولا ، ثم صلى الخسوف بعدها ، لأن فوات العيد متيقن وبقاء الخسوف مجوز ، فكانت البداية بما يتيقن فواته أولى ، فإذا صلى العيد لم يخطب ، وصلى للخسوف ، ثم خطب لهما بعد الزوال ، لأن خطبة العيد سنة ، فجاز فعلها في غير وقتها ، وليس كذلك خطبة الجمعة ، لأنها واجبة ، فلم يجز فعلها في غير وقتها .
فإن قيل : تصور الشافعي اجتماع الخسوف والعيد محال ، لأن العيد إما أن يكون في أول للشهر إن كان فطرا ، أو في العاشر إن كان نحرا ، والخسوف إما أن يكون في الثامن والعشرين إن كان للشمس ، وفي الرابع عشر إن كان للقمر ، فاستحال اجتماع الخسوف والعيد .
قيل عن هذا أجوبة .
أحدهما : أن الشافعي لم يكن غرضه في هذا تصحيح وقوعه ، وإنما كان غرضه الكشف عن معاني الأحكام بإيقاع التفريع في المسائل ليتضح المعنى ، ويتسع الفهم ، وبذلك جرت عادة العلماء في تفريع المسائل ، حتى قالوا في الفرائض مائة جدة وخمسون أختا ، وإن كان وجود ذلك مستحيلا .
جواب ثان وهو أن الشافعي تكلم على ما يقتضيه قول أهل النجوم الذي لا يسوغ قبول قولهم ، وقد نقل الواقدي وأهل السير أن الشمس خسفت في اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن النبي ( ص ) ، وكان اليوم العاشر من الشهر ، وروى ذلك علقمة عن ابن مسعود ، وقيل كان اليوم العاشر من رمضان ، وقيل العاشر من شهر ربيع الأول ، وقيل الشمس خسفت يوم مات الحسن بن علي عليه السلام ، وكان يوم عاشوراء .
جواب ثالث : أنه وإن كانت العادة فيما ذكروا فقد ينقص عند قيام الساعة ووجود أشراطها ، فبين الحكم فيها قبل وجودها ، فلو اجتمع عيد وخسوف وجمعة وضاق وقت الجميع بدأ بالعيد أولا ، لتعجيل فواته ، ثم الجمعة ، لأنها من فروض الأعيان ، ثم الخسوف ،