پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص496

قال الماوردي : وهذا كما قال وقد روى نافع عن ابن عمر أن النبي ( ص ) أنه كان يخرج إلى العيد من طريق الشجرة ، ويدخل من طريق المعرس .

قال أصحابنا : فيحتمل فعل النبي ( ص ) وجوها منها أنه كان يفعل ذلك ، ليساوي في محرفة وممره بين القبيلتين الأوس والخزرج ، لأنهم كانوا يتفاخرون بذلك في محالهم ، فيقولون مر بنا رسول الله ( ص ) في أصحابه ، فكان إذا مضى إلى المصلى في أحد الحيين رجع في الحي الآخر ليساوي بينهما ، ومنها أنه ( ص ) كان يتصدق على مساكين الطريق ، فأحب أن يرجع من غيره ليتصدق على مساكينه ، ومنها أنه ( ص ) كان يقصده الفقراء بالسؤال ولا يحضره ما يغنيهم ، فكان يرجع في طريق آخر توقيا لمسئلتهم ، ومنها أنه ( ص ) كان سئل في طريقه عن معالم الدين وأحكام الشرع فأحب أن يعود في آخر ليعلم أهل الطريقين ، ومنها أنه ( ص ) كان يفعل ذلك للسعة وقلة الزحام ، وقيل بل فعل ذلك لينتشر المسلمون في الطريق ليزداد غيظا لليهود ، وقيل بل فعل عليه السلام ذلك تجنبا لمكر المنافقين ، وإبطالا لكيدهم ، لأنهم ربما ترصدوا له بالمكر في الطريق الذي ذهب فيه ، وقيل بل لتشهد البقاع ، فقد جاء في الخبر من مشى في خير وبر شهدت له البقاع يوم القيامة ، وقيل في شهادة البقاع تأويلان :

أحدهما : أن الله عز وجل ينطقها فتشهد بذلك ، كما روي أنه قال ( ص ) في الحجر الأسود أنه يشهد له ملائكة الموضع .

والثاني : أنه يشهد له سكان الموضع من الجن والإنس كما قال تعالى : ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) ( الدخان : 29 ) يعني سكان السماء والأرض ، وقد قيل فيه ما يكثر تعداده ويطول ذكره ، فإذا ثبت ذلك عن النبي ( ص ) لما ذكرنا من المعاني ، فقد قال أبو إسحاق المروزي يحتمل أن يكون رسول الله ( ص ) فعله لمعنى يختص به ويحتمل أن يكون لمعنى يشاركه فيه غيره ، فإن علمنا أنه لمعنى يختص به لم يستحب ذلك لمن بعده من الأئمة والمأمومين ، وإن علمنا أنه لمعنى يشاركه فيه غيره استحببناه لمن بعده من الأئمة والمأمومين ، وإن شككنا هل فعله لمعنى يختص به أو يشاركه فيه غيره كان المستحب أن يفعل مثل فعله ( ص ) اقتداء به ، وقال أبو علي ابن أبي هريرة سواء فعله لمعنى يختص به أو يشاركه فيه غيره ، فالمستحب للناس أن يفعلوا ذلك لأن النبي ( ص ) قد يفعل الشيء لمعنى يختص به ثم يصير ذلك سنة لمن بعده ، كالاضطباع والرمل ، إلا أن أبا إسحاق وأبا علي قد اتفقا أن ذلك يستحب في وقتنا .