الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص461
صلاتها وتقف بإزاء العدو ثم تتم الطائفة الثانية صلاتها ونسبت هذه الصلاة إلى ذات السلاسل وذي قرد ورواها سالم عن ابن عمر أن رسول الله ( ص ) صلى صلاة الخوف وساق ما حكاه .
وإذا تقابل الحديثان وجب الاستدلال بترجيح الأخبار وتقديم أحد المذهبين بشواهد الأصول ، فأما أبو حنيفة فرجح مذهبه بشواهد الأصول من وجهين :
أحدهما : أن قال : وجدت الأصول مبنية على المأموم لا يخرج من الصلاة قبل إمامه ولا يحصل له من أفعالها ما لم يحصل له ، ومذهبكم يؤدي إلى هذا في الطائفة الأولى .
والوجه الثاني : من الترجيح أن قال : والأصول مبنية على أن المأموم ينتظر الإمام ولا يجوز للإمام أن ينتظر المأموم ، ومذهبكم يؤدي إلى هذا في الطائفة الثانية .
وما ذهبنا إليه أصح لأن الكتاب يقتضيه ، والسنة تدل عليه ، والأصول تشهد له ، وأما الكتاب فيقتضيه من وجهين :
أحدهما : لقوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ) [ النساء : 102 ] فأضاف الفعل إليه ، ثم قال تعالى : ( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ) [ النساء : 102 ] فأضاف فعل السجود عليهم ، فاقتضى الظاهر انفرادهم به ، ثم أباحهم الانصراف بعد فعله فصار تقدير قوله تعالى : ( فأقمت لهم الصلاة ، صليت بهم ركعة ) فعبر عنه بالقيام الذي هو ركن فيها وقوله تعالى : ( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ) [ النساء : 102 ] أي : صلوا الركعة الثانية فلينصرفوا . فعبر عنه بالسجود الذي هو ركن فيها ، فسقط به مذهب أبي حنيفة في الطائفة الأولى .
والثاني : قوله تعالى : ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ) [ النساء : 102 ] فظاهر قوله تعالى : ( لم يصلوا ) أي لم يصلوا شيئا منها ، وظاهر قوله تعالى : ( فليصلوا معك ) أي جميع الصلاة بكمالها ، فسقط به مذهب أبي حنيفة في الطائفة الثانية .
وأما السنة فما رويناه أولى من وجهين .
أحدهما : أنه أشهر .
والثاني : أن رواته أكثر .
وأما الاستشهاد بالأصول : فهي تشهد على فساد مذهبه من وجهين ، وعلى ترجيح مذهبنا من وجهين .