الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص448
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه : أن الجمعة وشرائطها مرتبط بفعل النبي ( ص ) ومحدود فيه ، فلا يتجاوز حكمها عن شرطه وفعله ، فكان مما وصف به الجمعة وجعله شرطا لها أن عطل لها الجماعات وأقامها في مسجد واحد في أول الأمر وعند انتشار المسلمين وكثرتهم ثم جرى عليه الخلفاء رضي الله عنهم بعده ، ولو جازت في موضعين لأبان ذلك ولو مرة واحدة إما بقوله أو بفعله ، ولأنها لا تخلو من أحد أمرين : إما أن يصح انعقادها في كل مسجد إلحاقا بصلاة الجماعة ، أولا يصح انعقادها إلا في مسجد واحد اختصاصا لها بتعطيل الجماعة إذ ليس أصل ثابت ترد إليه ، فلما لم يصح انعقادها في كل مسجد ثبت أنه لا يصح انعقادها إلا في مسجد واحد .
ولأنه مصر انعقدت فيه الجمعة فوجب أن لا ينعقد فيه غيرها كالجمعة الثالثة . ولأن الله تعالى أمر بالسعي عند إقامتها ، فلو جاز إقامتها في موضعين لوجب عليه السعي إليهما ، إذ ليس أحدهما أولى بالسعي إليه من الآخر ، وسعيه إليهما مستحيل ، وإلى أحدهما غير جائز ، فدل على فساده .
ولأن الجمعة من الأمور العامة التي شرط فيها العدد والجماعة ، فوجب أن لا تنعقد في موضعين ، كما لا تنعقد البيعة لإمامين .
أحدها : ما كان مدنا متقاربة وقرى متدانية اتصلت بنيانها واجتمعت مساكنها كبغداد فيجوز أن تقام فيه الجمعة في موضعين وأكثر اعتبارا بحكم أهلها ، وقد دخل الشافعي بغداد فلم ينكر ذلك عليهم .
والضرب الثاني من البلاد : ما كان مصرا لم يضم إليه غيره ، ويمكن جميعهم إقامة الجمعة في موضع منه كالكوفة فهذا الذي لا يجوز أن تقام الجمعة في موضعين منه .
والضرب الثالث من البلاد : ما كان مصرا لم يضم إليه غيره ولكن لا يمكن جميعهم إقامة الجمعة في موضع واحد منه لسعته وكثرة أهله كالبصرة فقد اختلف أصحابنا في إقامة الجمعة في موضعين منه على وجهين .
أحدهما : لا يجوز لما سبق من الدلالة ، ويصلي الناس إذا ضاق بهم الشوارع و الأفنية .
والوجه الثاني : قاله أبو إسحاق المروزي وأفتى به أبو إبراهيم المزني تجوز إقامة الجمعة في مواضع بحسب الحاجة الداعية إليه ، لأنه لو لم يجز لأهل هذا المصر العظيم أن