الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص441
عليهم أبلغ في الانتفاع بها واستقبالهم بوجهه أبلغ في الاستماع لها ، وينبغي أن يقصد بوجهه قصد وجهه ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا ولا يفعل ما يفعله أئمة هذا الوقت ، من الالتفات يمينا وشمالا في الصلاة على النبي ( ص ) ، ليكون متبعا للسنة ، آخذا بحسن الأدب ، لأن في إعراضه عمن أقبل إليه ، وقصد بوجهه إليه ، قبح عشرة ، وسوء أدب ، ولأنه إذا أقبل بوجهه قصد وجهه عم الحاضرين سماعه ، وإذا التفت يمينا قصر عن سماعه يسرته ، وإذا التفت شمالا قصر عن سماع يمنته .
فإن خالف السنة فأعرض عنهم ، واستقبل القبلة ، أجزاهم وإياه بحصول تبليغها ، والغرض المقصود منها كالأذان الذي من سنته استقبال القبلة به ، ويجزي وإن استدبر القبلة به .
قال الماوردي : وهذا كما قال : المقصود بالخطبة شيئان : الموعظة ، والإبلاغ ، فينبغي للإمام أن يرفع صوته بالخطبة ليحصل الإبلاغ ، ويقصد بموعظته ثلاثة أشياء : إيراد المعنى الصحيح ، واختيار اللفظ الفصيح واجتناب ما يقدح في فهم السامع ، من تمطيط الكلام ومده ، أو العجلة فيه عن إبانة لفظه ، أو ركب ما يستنكر من غريب الكلام وإعرابه . ولا يطيل إطالة تضجر ، ولا يقصر تقصيرا يبتر ، ويعتمد في كل زمان على ذكر ما يليق بالحال بعد أن يحمد الله تعالى ، ويصلي على نبيه ( ص ) في خطبته ، فقد روى الشافعي أن رسول الله ( ص ) خطب فقال : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونستهديه ، ونستنصره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفيء إلى أمر الله . وقال في خطبة أخرى عنه ( ص ) : ألا إن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البر والفاجر ، ألا وإن الآخرة أجل صادق ، يقضي فيها ملك قادر ، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار ألا فاعلموا وأنتم من الله عز وجل على حذر ، اعلموا أنكم معروضون على أعمالكم ، فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .