الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص431
وروى جابر بن عبد الله أن ابن مسعود دخل والنبي ( ص ) يخطب فجلس إلى أبي بن كعب ، فكلمه فلم يجبه ، فظن أنه عن موجده ، فلما قضيت الصلاة قال ما حمله على ذلك ؟ فقال : إن تكلمت والإمام يخطب فلا جمعة لك ، فدخل على النبي ( ص ) فأخبره به ، فقال ( ص ) : صدق أبي ، أو قال أطع أبيا .
وروى الشافعي عن ابن عباس أن رسول الله ( ص ) قال : من تكلم والإمام يخطب كان كالحمار يحمل أسفارا ومن قال أنصت فلا جمعة له ، ولأنه لا يجوز أن يتعلق على الخاطب إظهارها إلا وتعلق عليهم وجوب استماعها ، ألا ترى أنه لما حظر على الشاهد كتمان الشهادة كان ذلك علما على إيجاب استماعها .
والقول الثاني : قاله في الجديد إن الإنصات مستحب وليس بواجب ، لأن رسول الله ( ص ) كلم سليكا ولو حرم عليه الكلام لم يتكلم ، وإذا لم يحرم عليه الكلام خاطبا لم يجب على المأموم الإنصات مستمعا ، ولما روي أن النبي ( ص ) بعث لجماعه من أصحابه يوم الجمعة عند طلوع الفجر إلى أبي الربيع بن أبي الحقيق وكان ألب على رسول الله ( ص ) بخيبر وأمرهم بقتله ، فرجعوا والنبي ( ص ) يخطب ، فلما رآهم مقبلين قال ( ص ) : أفلحت الوجوه . قالوا : يا رسول الله ، ووجهك أفلح . فقال : أقتلتموه ؟ قالوا نعم ، فقال : أروني سيفه ، فنظر إليه ، وقال : هذا طعامه في ذبابة .
وروى أنس بن مالك أن رجلا قام والنبي ( ص ) يخطب فقال متى تقوم الساعة ؟ فقال ( ص ) : ما أعددت لقيام الساعة ؟ فقال لا شيء والله غير أني أحب الله تعالى ورسوله ( ص ) فقال ( ص ) : أنت مع من أحببت .
ولأنه لو كان الإنصات لها لكان واجبا إبلاغها برفع الصوت بها واجبا ، فلما لم يجب على الإمام إبلاغها ، لم يجب على المأمومين الإنصات لها ، ولأنها عبادة لا يفسدها الكلام ، فوجب أن لا يحرم فيها الكلام كالطواف والصيام .