پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص414

والقول الثالث : نص عليه في القديم : أنه إن بقي معه بعد انعقادها بالأربعين واحدا بنى على الجمعة ، وإن بقي وحده صلى ظهرا أربعا .

فإن قيل إن العدد شرط في افتتاحها واستدامتها وهو أصح الأقاويل وأولاها فوجهه : شيئان :

أحدهما : أن كل شرط اختص بالجمعة في افتتاحها فإنه يجب استدامته إلى إثباتها ، كسائر الشروط من الوقت والاستيطان وغيره .

والثاني : أن خطبة الجمعة أخف حكما من صلاة الجمعة ، لأنه يجوز أن يصلي الجمعة من لم يسمع الخطبة ، فلما كان العدد شرطا في استدامة الخطبة كان أولى أن يكون شرطا في استدامة الجمعة .

فإن قيل إن العدد شرط في افتتاحها دون استدامتها ومتى بقي معه اثنان جاز أن يبني على الجمعة فوجهه : تقديم الدلالة على أن العدد ليس بشرط في استدامتها ، ثم الدلالة على اعتبار الاثنين .

فأما الدلالة على أن العدد ليس بشرط في الاستدامة فهو :

أن الإمام لا يمكنه الاحتراز منه ويشق عليه ضبطه فلم يكن من أجزائه ، وهو إذا أحرم لم يمكنه الاحتراز من انفضاضهم ، ويمكنه اعتبار العدد عند الإحرام ، فلذلك كان العدد شرطا في افتتاحها ، لعدم المشقة في اعتباره ولم يكن شرطا في الاستدامة لإدراك المشقة فيه ، وتعذر الاحتراز منه ، فشابه النية لما لم يشق عليه اعتبارها مع الإحرام كان مؤخذا بها ، ولما شق عليه استدامتها في جميع الصلاة ، لأنها قد تعذب عنه لم يكن مؤخذا بها إذا عذبت في إثنائها ، ولهذا المعنى فارق الوقت ، لأن اعتبار استدامته يمكن ، ولأن الشيء قد يكون شرطا في ابتداء الصلاة دون استدامتها وإثباتها ، ألا ترى أن عدم الماء شرط في افتتاح الصلاة بالتيمم ، وليس بشرط في استدامتها ، كذلك العدد في الجمعة .

فإذا ثبت أن العدد المعتبر في افتتاحها ليس بشرط في استدامتها فالدلالة على اعتبار الاثنين ، وجواز إتمام الجمعة بها هو :

أن الجمعة تفتقر إلى الجماعة ، وأقل الجمع الكامل ثلاثة .

وإذا قيل إنه متى بقي معه واحد جاز له البناء على الجمعة فوجهه : أنه لما بطل أن يكون العدد المعتبر في افتتاحها شرطا في استدامتها ، وافتقرت إلى الجماعة ، كان أقلها في الشرع اثنين ، لقوله ( ص ) : ‘ الاثنان فما فوقهما جماعة ‘ .