الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص408
قالوا : ولأنه موضع لا تقام فيه الحدود في الغالب . فوجب ألا تصح إقامة الجمعة فيه ، كالمفاوز والبوادي
ودليلنا مع ما ذكرناه من الظواهر المتقدمة قوله ( ص ) : ‘ جمعوا حيث كنتم ‘ ولم يخض بلداً من قرية ، فكان على عمومه ، وروي أن النبي ( ص ) كتب إلى قرية مزنية أن يصلوا الجمعة والعيدين وروي أن أسعد بن زرارة صلى أول جمعة في الإسلام بالمدينة ، في حرة بني بياضة ، بموضع يقال له الخضمات ولم يكن مصراً ، وكانوا أربعين رجلاً وروى ابن عباس أن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد المدينة بقرية من قرى البحرين تسمى جواثا ولأنها إقامة صلاة ، فوجب أن لا يكون من شرطها المصر ، كسائر الصلوات ، ولأنه معقل يستوطنه عدد تنعقد بهم الجمعة ، فجاز أن يقيموا الجمعة قياساً على أهل الأمصار
الجواب عن استدلالهم بقوله ( ص ) : ‘ لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ‘ فهو موقوف على علي بن أبي طالب رضي الله عنه على وهاء في إسناده ثم لا يصح لأبي حنيفة الاستدلال به ، لأنه يقول لو أن إماماً أقام الحدود ، وقاضياً نفذ الأحكام في قرية وجب إقامة الجمعة فيها ، ولو خرج عن المصر الإمام والقاضي ولم يستخلفا ، لم تلزمهم إقامة الجمعة ، فلم يعتمد على ظاهر الخبر في اعتبار المصر ، وبطل أن يكون له فيه دلالة ثم يستعمله ، فنقول لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع العدد الذي تنعقد به الجمعة
وأما قولهم إن ما يعم به البلوى يجب أن يكون بيانه عاماً ، ولا يرد به النقل آحاداً ، فيقال لهم يجوز عندنا أن يكون بيانه خاصاً ، ويرد النقل به آحاداً ، فلم نسلم لكم هذه الدلالة ، على أنهم يقولون ما تعم به البلوى يجب أن يكون بيانه عاماً إذا كان من جهة الرسول ( ص ) ، ولم يرد له في الكتاب ذكر ولا بيان حكم ، وقد ورد كتاب الله تعالى بإيجاب الجمعة ، فلا يلزمهم على مذهبهم أن يكون بيان رسول الله ( ص ) عاماً ، على أنه ( ص ) قد عم البيان ، فقال ( ص ) على منبره : ‘ اعلموا أن الله تعالى فرض عليكم الجمعة في عامي هذا في شهري هذا ، في ساعتي هذه ، فريضة مكتوبة ‘ وليس في البيان اعم من هذا
وأما قياسهم على البوادي : فالمعنى فيه : أنهم غير مستوطنين
فإذا ثبت إقامة الجمعة في القرى إذا استوطنها عدد تنعقد بهم الجمعة وكانوا مجتمعي المنازل اعتبرت حال منازلهم : فإن كانت مبنية بالآجر والجص أو باللبن والطين ، أو بالخشب الوثيق ، فعليهم إقامة الجمعة ، وإن كانت منازلهم خياماً أو بيوت شعر ، أو من سعف ، أو