الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص405
النداء على هذا الوصف فقد لزمهم حضور الجمعة . هذا مذهبنا وبه قال من الصحابة عبد الله بن عمرو بن العاص ، ومن التابعين سعيد بن المسيب ، ومن الفقهاء أحمد بن حنبل
وقال الأوزاعي : إن كانوا إذا صلوا الجمعة في المصر يمكنهم أن يأووا بالليل في منازلهم لزمتهم الجمعة ، وإن لم يمكنهم أن لا يأووا ليلاً في منازلهم فلا جمعة عليهم وبه قال من الصحابة ابن عمر وأبو هريرة وأنس بن مالك
وقال الزهري : إن كانوا على ستة أميال لزمتهم الجمعة ، وإن كانوا على أكثر لم تلزمهم
وقال ربيعة : إن كانوا على أربعة أميال لزمتهم الجمعة ، وإن كانوا على أكثر لم تلزمهم وقال مالك والليث بن سعد : إن كانوا على ثلاثة أميال لزمتهم الجمعة ، وإن كانوا على أكثر لم تلزمهم . وقال أبو حنيفة : لا جمعة على من كان خارج المصر بحال قرب أو بعد تعلقاً بقوله ( ص ) : ‘ لا جمعة ولا تشريق إلا على أهل مصر جامع ‘ فنفى وجوب الجمعة عمن كان في غير مصر جامع ، قال : ولأن النبي ( ص ) كان يقيم الجمعة بالمدينة فلا يدعو أهل العوالي والسواد ، ولو وجبت عليهم لوجب عليه أن يأمرهم بها ، قال : ولأن كل موضع لا تجب فيه صلاة الجمعة لا تجب على أهله الجمعة ، قياساً على من لم يسمع النداء
قال : ولأنه لما لم يكن سماع النداء في البلد شرطاً في وجوب الجمعة لأنها تجب عليهم وإن لم يسمعوه ، وجب أن يبطل الاعتبار به فيمن خارج البلد ، فلا تجب عليهم الجمعة وإن سمعوه ، قال : ولأن ما قرب من البلد في حكم ما بعد عنه ، ألا ترى أنه لو نوى السفر ، وفارق بنيان البلد ، جاز له القصر والمسح ثلاثاً كما لو بعد عنه ، فلما لم تجب الجمعة على من بعد لم تجب على من قرب
والدلالة على صحة قولنا وفساد قوله : قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) [ الجمعة : 9 ] . فكان عموم الظاهر يقتضي إيجاب السعي إليها عند سماع النداء ؛ لأنه جعل النداء علما لها ، ودل على ذلك عموم قوله ( ص ) : ‘ تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبياً أو مملوكاً ‘ . فاستثنى بعد عموم الإيجاب من لا تلزمه الجمعة من المرأة والصبي ، والمملوك ، فدخل من كان خارج المصر في عموم الإيجاب ، ولم يدخل خصوص الاستثناء ، والاعتماد على هذه الدلالة جيد ، ويدل على ذلك أيضاً ما روى قبيصة عن سفيان عن محمد بن سعيد الطائفي