الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص394
والثاني : أن خلافنا في السفر هل له تأثير في الجمع أم لا ؟ وكيفية الجمع فرع له ولا يجوز أن يرد الأصل إلى فرعه ، على أن الرخصة المتعلقة بالصلاة لأجل السفر رخصتان القصر والجمع فلما اختص بالقصر بعض الصلاة دون بعض كذلك الرخصة الأولى وهي الجمع ، ثم نقول إن المعنى في العصر والمغرب أن كل واحدة منهما يجوز جمعها إلى غيرها فلم يجز الجمع بينهما ، وكذلك الصبح لم يجز أن تجمع إلى غيرها لأن التي قبلها العشاء وهي تجمع إلى المغرب والتي بعدها الظهر وهي تجمع إلى العصر ، فأما ما رواه عن عمر رضي الله عنه أنه قال : الجمع بينهما من الكبائر . فهذا غير ثابت وإنما الثابت عنه أنه قال الجمع بينهما لغير عذر من الكبائر والسفر عذر فكيف يصح ما رووه عن عمر رضي الله عنه ، وحديث الجمع مستفيض في الصحابة برواية كثير منهم عن رسول الله ( ص ) فلا يدفعونه ولا ينكرونه حتى رواه معاذ بن جبل وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك ، فدل على أن الثابت عن عمر رضي الله عنه ما رويناه
فإذا تقرر جواز الجمع في سفر القصر ففي جوازه في قصير السفر وجهان :
أصحهما : وهو المنصوص عليه في الجديد والقديم لا يجمع لأنه سفر لا يجوز فيه القصر فلم يجز فيه الجمع كسفر المعصية
والثاني : وهو تخريج بعض أصحابنا في القديم يجوز له الجمع في قصير السفر كجوازه في طويله وكثير من أصحابنا يمنع من تخريج هذا القول . فإن صح فوجهه أن يقال لما جاز الجمع في الحضر بالعذر كجوازه بالسفر اقتضى أن لا يقع الفرق فيه بين طويل السفر وقصيره كالتيمم وأكل الميتة
قال الماوردي : وهذا كما قال إذا أراد المسافر الجمع بين الصلاتين فهو بالخيار إن شاء أخر الظهر إلى وقت العصر والمغرب إلى وقت العشاء ، وإن شاء قدم العصر إلى وقت الظهر والعشاء إلى وقت المغرب فإذا أراد تأخير الأولى منهما إلى وقت الثانية لم يجز له تأخيره إلا بنية الجمع ، لا يختلف فيه مذهب الشافعي وسائر أصحابه ؛ لأن تأخير الصلاة عن وقتها قد يكون تارة معصية ، وهو أن يؤخرها عامداً لغير جمع ، وقد يكون تارة مباحاً وهو أن يؤخرها للجمع