الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص389
معصية لأن السفر حركاته التي هو عليها معاقب فلم يجز أن يجلب التخفيف والرخص ، ولأن ما يتعلق بالسفر من رخصة تخفيف من الله سبحانه على عباده لما يلحقهم من المشقة فيه ليكون ذلك معونة لهم وقوة على سفرهم ، والعاصي لا يستحق المعونة فلم يجز أن يستبيح الرخصة ، ولأنه لما كان سفر المعصية مانعاً من صلاة الخوف لأجل المعصية وجب أن يكون مانعاً من سائر الرخص لأجل المعصية ، وتحريره قياساً أن السبب المحظور لا يسقط شيئاً من فرض الصلاة كالخوف بالقتال المحظور لا يبيح صلاة شدة الخوف ، ولأن الرخص إذا استبيحت بشرط وكان الشرط مردوداً بالشرع صار مفقوداً كالمطلقة ثلاثاً لما شرط في عودها إلى الأول نكاح زوج ثان ثم كان نكاح الزوج الثاني لورود الشرع بفساده كان وجوده كعدمه في تحريمها على الأول كذلك القصر لما كان مشروطاً بالسفر وكان سفره لمعصية مردوداً بالشرع صار كالمعدوم وإذا عدم السفر حرمت الرخصة
فأما تعلقهم بالآية والخبر فأدلتنا مخصصة لهما ، وأما قياسهم على الجمعة والصبح فوصف العلة غير موجود في الأصل عندنا وفي الأصل والفرع عندهم ، على أن المعنى في الجمعة وفي الصبح أن الاقتصار فيهما على ركعتين لا يختص بسبب من جهته فلا يقع الفرق بينهما من طاعته ومعصيته ولما كانت رخص السفر بسبب حادث من جهته وهو السفر وقع الفرق فيه بين طاعته ومعصيته فاستباح الرخص مع الطاعة ومنع منها مع المعصية وأما جمعهم بين معصية المقيم والمسافر في جواز استباحة الرخص فقد كان أبو سعيد الاصطخري يمنع المقيم منها كما يمنع المسافر ويجمع بينهما في حظر الرخص عليهما فعلى هذا بطل استدلالهم به وذهب سائر أصحابنا إلى أن المقيم يجوز له أن يترخص وإن كان عاصياً بخلاف المسافر
والفرق بينهما أن الإقامة نفسها ليست معصية لأنها كف وإنما الفعل الذي توقعه في الإقامة معصية ، فلما لم تكن الإقامة معصية لم تمنع الرخص والسفر في نفسه معصية لأنه فعل وحركة يتوصل بها إلى المعاصي فكانت معصية ، وإذا كان السفر معصية لم يجز أن يبيح الرخص
فإن قيل : قد تكون نفس الإقامة معصية وهو أن ينوي الإقامة لزنا أو قتل إنسان
قيل : لا تكون الإقامة معصية وإنما المعصية هو العزم على الفعل وما نواه من الزنا والقتل ، ألا تراه يعاقب على عزمه ، ولا يعاقب على نية مقامة والسفر حركات هو عليها معاقب فعلم أن السفر معصية والإقامة ليست بمعصية
وأما الجواب عمن أحدث المعصية في سفره وقد أنشأه طائعاً فليس للشافعي فيه نص ولأصحابنا فيه وجهان :