الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص387
أصله : إذا كان له عذر أو غرض ، ولأن صحة الأغراض وحدوث الأعذار لا تعتبر في الأسفار إذا كانت مباحة ، ألا تراه لو سافر للنزهة والشهوة واختار لذة قلبه وطلب مراده جاز له القصر وإن لم يكن فيه معذوراً كذلك هذا
والقول الثاني : لا يجوز له القصر في سلوك الأبعد لأن البلد الذي قصده في حكم الإقامة لقرب المسافة ، وإذا سلك الأبعد صار كأنه قد طول المسافة لأجل القصر وتطول المسافة لأجل القصر يمنع من القصر ، ألا ترى أنه لو قطع مسافة لا يقصر في مثلها الصلاة في مدة تقصر في مثلها الصلاة لم يجز له القصر وهو أن يقطع عشرة أميال في عشرة أيام ، فكذلك إذا سافر إلى بلد لا يقصر في مثله الصلاة في طريق يقصر في مثله الصلاة لم يجز له القصر والقول الأول أصح
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا سافر منشأ لسفر في معصية الله سبحانه كقطع الطريق وإخافة السبيل والسعي بالفساد أو خرج باغياً على مسلم أو معاهد أو أبقاً من شدة أو هارباً من حق لزمه وهو قادر على بذله إلى غير ذلك من معاصي الله سبحانه فليس له أن يترخص بشيء من رخص السفر بحال
قال : لا يقصر من صلاته ولا يفطر في صيامه ولا يمسح ثلاثاً على خفه ولا يتنفل على الراحلة حيث ما توجهت ولا يأكل الميتة إن خاف على نفسه وبه قال مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والمزني : العاصي في سفره كالطائع في استباحة الرخص تعلقاً بقوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) [ النساء : 101 ] فكان على عمومه في كل هارب من طائع أو عاص ، ولعموم قوله ( ص ) : ‘ إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ‘ قالوا : ولأنه كل صلاة جاز الاقتصار فيها على ركعتين استوى في فعلها الطائع والعاصي كالجمعة والصبح
قالوا : ولأن للمقيم رخصة وللمسافر رخصة فلو منعت المعصية من رخصة المسافر لمنعت من رخصة المقيم ، فلما جاز للمقيم أن يترخص أيضاً وإن كان عاصياً جاز للمسافر أن يترخص أيضاً وإن كان عاصياً ، وقالوا : ولأنه لو أنشأ سفراً في طاعة من حج أو جهاد ثم جعله معصية لسعيه بالفساد جاز أن يستبيح رخص السفر ، كذلك إذا أنشأ سفره عاصياً
وتحريره قياساً أن يقول : لأنه مسافر فجاز أن يستبيح الرخص مع المعصية كما لو طرأت المعصية في سفره قالوا : ولأنه لما جاز للعاصي أن يتيمم في سفره إجماعاً ولم تمنعه المعصية من التيمم كذلك لا تمنعه من سائر الرخص كالقصر وغيره