الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص352
قال الماوردي : وهو كما قال : ينبغي أن يتقدم إلى الإمامة من جميع أوصافها ، وهي خمسة : القراءة والفقه والنسب والسن والهجرة بعد صحة الدين وحسن الإعتقاد ، فمن جمعها وكملت فيه فهو أحق بالإمامة ممن أخل ببعضها ؛ لأن الإمامة منزلة اتباع واقتداء فاقتضى أن يكون متحملها كامل الأوصاف المعتبرة فيها ، فإن لم تجتمع في واحد فأحقهم بالإمامة من اختص بأفضلها ، وأولها الفقه والقراءة أولى بالإمامة ، وأحق بالتقدم من الشرف والسن والهجرة ، وإنما كان الأقرأ والأفقه أولى بالإمامة من الشرف والسن وقديم الهجرة إذا لم يكونوا فقهاء ولا قراء ، لما روى عمرو بن سلمة أن النبي ( ص ) قال : ‘ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل ‘ ولما روى أبو مسعود بن عتبة بن عامر البدري أن رسول الله ( ص ) قال : ‘ أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله عز وجل ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، وإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ‘ . وإن الفقه والقراءة يختصان بالصلاة لأن القراءة من شرائطها والفقه لمعرفة أحكامها والنسب والسن لا تختص به الصلاة ، فكان تقديم ما اختص بالصلاة أولى فإذا ثبت صح بما ذكرنا تقديم الأقرأ أو الأفقه ، فالفقيه إذا كان يحسن الفاتحة أولى بالإمامة من القارئ ؛ لأن ما يجب من القراءة محصور وما يحتاج إليه من الفقه غير محصور ؛ لكثرة أحكامها ، ووقوع حوادثها
وإن قيل هذا يخالف قوله ( ص ) : ‘ يؤمكم أقرؤكم ‘ قلنا هذا غير مخالف له ؛ لأن ذلك خطاب للصحابة رضي الله عنهم وهو خارج على حسب حالهم ، وكان أقرؤهم في ذلك الزمان أفقههم ، بخلاف هذا الزمان ؛ لأنهم كانوا يتفقهون ثم يقرؤون ومن في زماننا يقرؤون ثم يتفقهون
والدليل على ذلك ما روي عن ابن عمر أنه قال : ما كانت تنزل السورة على رسول الله ( ص ) إلا ونعلم أمرها وزجرها ونهيها ، والرجل اليوم يقرأ السورة من أولها إلى آخرها ولا يعرف من أحكامها شيئاً ، وقال ابن مسعود : ما كنا نجوز على عشرة أيام حتى نعرف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها ، فإذا تقرر تقديم الأفقه ثم الأقرأ فاستووا في الفقه والقراءة فلا يختلف المذهب إن ذا النسب الشريف أولى من ذي الهجرة القديمة
وهل يكون أولى من ذي النسب على قولين :
أحدهما قاله في القديم إن ذا النسب الشريف أولى من المسن لقوله ( ص ) : ‘ الأئمة من