الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص322
ودليلنا : ما روي أن النبي ( ص ) استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مراراً يصلي بالناس وكان ضريراً . وكان عتبان بن مالك يصلي بقومه في عهد رسول الله ( ص ) ويعلمه وكان ضريراً ، لا ينهاه ولا يأمر قومه أن يستبدلوا بغيره ، ولأنه أحرى أن ينكف بصره عن المحارم ، فيكثر خشوعه ويخلص قلبه ، ولأن العمى فقد عضو وفقد الأعضاء لا تمنع من الإمامة كالأقطع
فأما قولهم إنه لا يتوقى الأنجاس فلا تأثير له ، لأن الظاهر طهارته والشيء مبني على أصله وظاهره ولو اعتبرنا هذا لرأينا كثيراً من البصراء بهذا الوصف فلم يكن الأعمى مختصاً به
وأما قولهم إنه يُرشد إلى القبلة ويوجه نحوها ، فذاك قبل دخوله في الصلاة فأما في وقت ائتمامهم به فإنه على ثقة من القبلة ويقين كالبصير
والدلالة على جواز إمامته قوله ( ص ) : ‘ اسمعوا وأطيعوا لمن ولّي عليكم ولو وُلّي عليكم حبشي مجدع ما أقام بكم الصلاة ‘ . وروي أن النبي ( ص ) صلى خلف مولى له ، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر صهيب بن سنان الرومي فصلى بالمهاجرين والأنصار وكان عبداً لأنس بن مالك . فلم يكره إمامته أحد من الصحابة ، وروى المسور بن محزمة قال : كنا نختلف إلى عائشة رضي الله عنها أنا وعبيد بن عمير قال ابن أبي مليكة وجماعة فتأمر عبداً لها يقال له أبو عمرو فيصلي بنا عند وقت الصلاة
فإذا تقرر أن إمامته جائزة وغير مكروهة فإمامة الحر أفضل منه ، لنقصه برقة وكمال الحر بحريته ، وثبوت ولايته وجواز شهادته ، وإمامة الحر الضرير أفضل من إمامة العبد البصير ، لأن الرق نقص ، فإن قيل يلزم العبد استئذان سيده في الإمامة ، قيل إن كانت إمامته بقدر صلاته في الانفراد لم يلزمه استئذانه ، وإن تطاول عن حد الانفراد كالجمعة لزمه استئذانه لما فيها من تفويت خدمته