الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص266
ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) [ النساء : 43 ] يعني : بالصلاة موضع الصلاة ، لأنه يسمى صلاة قال الله تعالى : ( لهدمت صوامع وبيع وصلوات ) [ الحج : 40 ] والصلاة لا تهدم وإنما يهدم مكانها ، وإن كان الاسم واقعاً عليه كان النهي مصروفاً إليه بدليل قوله سبحانه في سياق الآية : ( إلا عابري سبيل ) [ النساء : 43 ] والعبور على فعل الصلاة لا يصح ، وإنما يصح العبور على مكانها فصار تقدير الآية : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) [ النساء : 43 ] ولا موضع الصلاة وأنتم جنب ( إلا عابري سبيل ) فاستثنى الاجتياز من جملة النهي ، وهذا التأويل قد روي عن علي – عليه السلام – وابن عباس رضي الله عنهما فإن قيل : يحتمل قوله تعالى : ( ولا جنباً إلا عابري سبيل ) [ النساء : 43 ] مسافراً عادماً للماء فيتيمم ، ويصلي فيحمل أول الآية على الحقيقة وآخرها على الائتمار ، وأنتم حملتم آخر الآية على الحقيقة وأولها على المجاز فيستوي التأويلان ، ويتقابلان ، وكان هذا التأويل أشبه بالحال ، وهو أيضاً مروي عن علي – عليه السلام – وابن عباس رضي الله عنهما ، قلنا : إذا تقابل التأويلان على ما ذكرتم واحتيج إلى الترجيح ، فتأويلنا أولى من وجهين :
أحدهما : أنه إذا حملوا إضمار الصلاة على فعلها لم يستفيدوا بالآية إلا إباحة الصلاة للجنب المتيمم ، وإباحة الصلاة للجنب إذا تيمم مستفاد بآية أخرى ، وحمل الآيتين على حكمين مختلفين أولى من حملهما على حكم واحد
والثاني : أن الاستثناء يكون من جنس المستثنى منه فلما كان المراد بقوله تعالى : ( ولا جنباً ) الجنب الذي لم يستبح فعل الصلاة بالتيمم وهو المستثنى منه ، ويجب أن يكون قوله تعالى : ( إلا عابري سبيل ) [ النساء : 43 ] المراد به جنباً لم يستبح فعل الصلاة بالتيمم ، لأنه الاستثناء فكان تأويلنا أولى بهذين الوجهين من الترجيح
فإن قيل : لا يصح أن يكون المراد بالآية موضع الصلاة بدلالة قوله تعالى : ( حتى تعلموا ما تقولون ) [ النساء : 43 ] وهذا مما لا يوصف به المجتاز ، وإنما يوصف به المصلي قيل قد يوصف به المجتاز بموضع الصلاة ، لأنه إذا سكر لم يؤمن منه تنجيس المسجد إذا دخله فنهى عنه كما قال ( ص ) ‘ جنبوا مساجدكم أطفالكم ومحاريبكم ‘ ، لأنهم يرسلون البول بغير اختيارهم كالسكران الذي ربما نجس المسجد بغير قصده
ثم الدليل في المسألة من طريق المعنى : وهو أنه مكلف آمن منه تنجيس المسجد فجاز له العبور فيه كالمحدث ، وهذا خير قياس في المسألة
وقولنا : مكلف احتراز من الصغار ، والمجانين
وقولنا : من منه تنجيس المسجد احترازاً من الحائض ، وصاحب النجاسة فأما تعلقهم