پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص260

والدلالة عليه مع إجماع الصحابة والتابعين قوله تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ) [ المائدة : 90 ]

والأرجاس : أنجاس إلا ما قامت الدلالة على طهارتها ، ولأنه مائع ورد الشرع بإراقته فوجب أن يكون نجساً كالسمن الذائب إذا وقعت فيه فأرة فأما الآية فتقتضي طهارة الخمر في الجنة ، وهذا مسلم وإنما الخلاف معه في طهارتها ونجاستها في الدنيا وغير منكر أن تكون في الدنيا نجسة ويقلب الله سبحانه وتعالى عينها في الآخرة ، ويغير حكمها ، فإذا ثبتت نجاسة الخمر بما ذكرناه فمتى أصابت الأرض فقد نجست فإن كشط الطبقة التي لاقاها الخمر فقد طهر المكان أيضاً ، وإن زال ريحه وبقي لونه فالمكان نجس ؛ لأن اللون عرض ، والعرض لا يقوم بنفسه ، فكان بقاؤه دليلاً على بقاء عينه ، فلو ذهب لونه وبقي ريحه فإن كان ذلك لتقصير الغاسل لغسله ، ويعلم أنه إن أعيد غسله زالت الرائحة فالمكان نجس وإن كان بقاء الرائحة من غير تقصير الغسل ففي طهارة المكان قولان منصوصان :

أحدهما : نجس ، لأن رسول الله ( ص ) قال : ‘ خلق الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ‘ فجعل الرائحة كاللون في التنجيس للماء كذلك رائحة الخمر كلونه في تنجيس الأرض به

والقول الثاني : إن المكان طاهر مع بقاء الرائحة ؛ لأن الخمر ذكي الريح ، فإذا جاوز أرضاً تعدى ريحه لقوة ذكائه فيما جاوره واتصل به من غير حلول جزء من العين فيه ؛ فصار ذلك ك ‘ الميتة ‘ على حافة بئر طال مكثها ، وراح الماء بها لتعدي رائحتها ، فلما كان الماء طاهر ، أو تغير ريحه ، لأن التغيير بمجاورة الميتة وتعدي الرائحة وجب أن يكون بقاء ريح الخمر لا يوجب تنجيس المحل وكان اللون مفارقاً له ، لأن اللون لا يتعدى إلى ما جاوره والرائحة متعدية

فأما الثوب إذا بقيت فيه رائحة الخمر [ فهو على نجاسته حتى تزول الرائحة عنه بخلاف الأرض لأن حكم النجاسة فيها أخف لكونها معتدية للأنجاس ولأن رائحة الخمر ] لا تتعدى إلى الثوب إلا بحلول أجزاء الخمر فيه لبعده منه فشابه لون الخمر في الأرض ، فأما الإناء إذا بقيت فيه رائحة الخمر فلم تزل بالغسل فهو أخف حكماً من الأرض ، فمن أصحابنا من قال : يطهر قولاً واحداً ؛ لأن بقاء الرائحة فيه لطول المكث وكثرة المجاورة ، ومنهم من قال : هو على قولين كالأرض سواء فأما النيل والحناء إذا بلا ببول وخضب به اليد أو ثوب ، ثم غسل فلم يبق إلا لونه فقد حكي عن الشافعي طهارته ، لأن اللون عرض ، والنجاسة لا تخالط العرض ، وإنما تخالط العين فإذا زالت العين التي هي محل النجاسة زالت النجاسة بزوال محلها