الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص258
لم تطهر إلا أن يندفع الماء عنها إلى بحر ، أو نهر ، وبني ذلك على أصله في أن الماء المزال به النجاسة نجس ، وهو عندنا طاهر
وقد تقدم فيه الكلام في كتاب ‘ الطهارة ‘ ومما استدل به في ذلك أنه قال روي عن النبي ( ص ) أنه أمر في بول الأعرابي بكشط الموضع وإزالة المكان ، وهذا نص قال : ولأنه لما نجس الماء بورود النجاسة عليه وجب أن ينجس بوروده على النجاسة ، لأن كل ذلك ماء قليل حلته نجاسة وإذا ثبت تنجيسه بما ذكرنا ثبت تنجيس المكان أيضاً
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه من طهارة المكان بصب الماء عليه : رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن أعرابياً دخل المسجد فقال : اللهم ارحمني ومحمداً ، ولا ترحم معنا أحداً ، فقال النبي ( ص ) لقد حجرت واسعاً فما لبث أن بال في المسجد فعجل الناس عليه ، فنهاهم عنه وقال : ‘ صبوا عليه ذنوباً من ماء ‘ ومعلوم أنه أمرهم بصب الذنوب عليه لأجل طهارة المكان ، وزوال النجاسة بما ورد عليها من الماء ، فعلم بذلك طهارة ما الفصل عنها من الماء ، ولأنه لو كان الماء المنفصل عن الثوب نجساً لكان ما بقي من بلله نجساً ، ولو كان نجساً لوجب غسله ، ولو وجب غسله لتعذرت طهارته لبقاء بلله في الغسلة الثانية ، والثالثة فدعت الضرورة إلى طهارة بلله ، وإذا كان البلل طاهراً كان المنفصل عنه طاهراً ، لأن الماء الواحد لا يكون بعضه طاهراً وبعضه نجساً ، وبهذا المعنى فرقنا بين ما ذكره من الجمع بين ورود الماء على النجاسة ، وورود النجاسة على الماء
فأما استدلاله بأن رسول الله ( ص ) أمر بكشط المكان فحديث ضعيف وإن صح استعمال الحديثين جميعاً لورودهما في زمانين ، وذلك أولى من إطراح أحدهما واستعمال الآخر ، وإذا ثبت ما ذكرناه فالذنوب هو : الدلو الكبير قال الشاعر :
وقد يعبر بالذنوب عن النصيب : قال الله تعالى : ( فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون ) [ الذاريات : 59 ] يعني : نصيباً . ومنه قول الشاعر :
واختلف أصحابنا في الذنوب من الماء هل هو حد في طهارة البول أم لا ؟ فقال أبو القاسم الأنماطي ، وأبو سعيد الاصطخري : الذنوب حده في طهارة البول لأمر النبي ( ص ) فإن كوثر البول بدون الذنوب لم يطهر ، وإن بال اثنان لم يطهره إلا دلوان