الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص215
وأما مالك فاستدل أن رسول الله ( ص ) سجد في قصة ذي اليدين بعد السلام ، وكان سببه زيادة الكلام ، وسجد في حديث ابن بحينة عندما ترك التشهد الأول قبل السلام ، وكان سببه النقصان ، فدل على اختلاف محله لاختلاف سببه ، قال : ولأن سجود السهو جبران ، فإذا كان لنقصان اقتضى فعله قبل السلام لتكمل به الصلاة ، وإن كان الزيادة أوقعه بعد السلام لكمال الصلاة
والدلالة عليهما رواية أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) قال : إذا شك أحدكم في صلاته ، فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليبين على ما استيقن ، ويسجد سجدتي السهو قبل السلام ‘
وروى ابن عباس أن رسول الله ( ص ) قال : ‘ إذا سها أحدكم في صلاته ، فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليتم ركوعه ، ويقعد ويتشهد ، ويسجد سجدتي السهو ، ثم يسلم فإن كانت خمساً شفعتها السجدتان ، وإن كانت أربعاً كانت السجدتان ترغيماً للشيطان ‘
وروى عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن عبد الله بن بحينة الأسدي حليف بني عبد مناف أن النبي ( ص ) ترك الجلوس الأول في صلاة الظهر ، أو قال العصر إلى أن قام فمضى في صلاته فلما جلس وتشهد سجد سجدتي السهو قبل أن يسلم ‘ ولأنه سجود عن سبب وقع في صلاته فوجب أن يكون محله في الصلاة قياساً على سجود التلاوة ، ولأنه سجود لو فعله في الصلاة ، سجد عنه موجبه فوجب أن يكون محله في الصلاة قياسا على سائر سجدات الصلاة ولأنه جبران للصلاة فوجب أن يكون محله في الصلاة كمن نسي سجدة ، ولأن كل ما كان شرطاً في سجود الصلاة كان شرطاً في سجود السهو كالطهارة والمباشرة ، ولأنه لو كان محله بعد السلام لوجب أن فعله ناسياً قبل السلام أن يسجد لأجله بعد السلام ، وفي إجماعهم على ترك السجود له بعد السلام دليل على أن محله قبل السلام ، ولأنه سجود للسهو وجبران للصلاة ، وما كان جبراناً للشيء كان واقعاً فيه
وأما ما رووه من الأخبار ففيه جوابان :
أحدهما : أنها منسوخة
والثاني : مستعملة فأما نسخها فمن وجهين :
أحدهما : ما رواه الزهري أن رسول الله ( ص ) سجد للسهو قبل السلام ، وسجد له بعد السلام ، وكان آخر الأمرين من رسول الله ( ص ) سجود السهو قبل السلام
والثاني : تأخر أخبارنا وتقدم أخبارهم ، لأن ابن مسعود روى سجود السهو بعد السلام وهو متقدم الإسلام قد هاجر الهجرتين ، وابن عباس ، وأبو سعيد الخدري رويا سجود السهو قبل السلام ، وكان لابن عباس حين قبض رسول الله ( ص ) ثلاث عشرة سنة ، وقيل : سبع سنين وكان أبو سعيد من أحداث الأنصار ، وأصاغرهم