الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص78
أحدهما : لا يجوز إلا في سفر طويل قاله في الجديد كالقصر
والثاني : يجوز في السفر الطويل والقصير قاله في القديم كالنافلة على الراحلة
قال الماوردي : إذا اجتمع رجلان في سفر واحتاجا إلى الاجتهاد في القبلة وكان أحدهما بصيراً يعرف دلائلها لم يخل حال الآخر من أحد أمرين ، إما أن يكون بصيراً ، أو ضريراً ، فإن كان ضريراً ففرضه في القبلة تقليد البصير الذي معه إذا لم يقع في نفسه كذبه سواء كان البصير رجلاً أو امرأة حراً ، أو عبداً ، لأنه خبر يستوي جميعهم في قبوله منهم وليس بشهادة ، وإنما كان كذلك ، لأن الضرير ، قد فقد بذهاب بصره آلة الاجتهاد فجاز له تقليد من فيه آلة الاجتهاد ؛ كالعامي في تقليد العالم في الأحكام ، فلو اجتهد الضرير لنفسه وصلى لزمه الإعادة أصاب أو أخطأ ، لأنه بفقد الآلة صلى شاكاً ، وللضرير فيما يكون فيه الاجتهاد من أسباب الصلاة ثلاثة أحوال ، حال لا يجوز له الاجتهاد فيها وهي : القبلة ، وحال يجوز له الاجتهاد فيها وهو الوقت ، وحال اختلف قول الشافعي فيه وهو : الإناءان ، أو الثوبان ، وفي جواز اجتهاده فيهما قولان :
أحدها : أن يكون عارفاً بدلائل القبلة فهذا عليه أن يجتهد لنفسه ، ولا يجوز أن يرجع فيها إلى تقليد صاحبه ، لاستوائهما في حال الاجتهاد الموصلة إليها كالعالم لا يجوز له أن يقلد العالم
والحال الثانية : أن يكون غير عارف لدلائل القبلة لكن إذا عرف تعرف وعلم فهذا عليه أن يتعرف دلائل القبلة ، ولا يجوز أن يقلد غيره فإذا تعرف دلائل القبلة اجتهد لنفسه ؛ لأنه قادر على الوصول إلى معرفتها باجتهاده فصار كالعارف
والحالة الثالثة : أن يكون غير عارف لدلائلها وإذا عرفها لم يعرفها لإبطاء ذهنه وقلة فطنته فهذا في حكم الأعمى يقلد غيره فيها ، لأنها قد عدم ما يتوصل به إلى الاجتهاد ، ولأن عمى القلب أعظم من عمى العين قال الله تعالى : ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) [ الحج : 46 ]