الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج2-ص23
قال الماوردي : يكره أن تصلى هذه الصلاة باسم العتمة ويستحب أن تسمى عشاء الآخرة لرواية الشافعي عن سفيان عن أبي لبيد عن أبي سلمة عن ابن عمر أن النبي ( ص ) قال : ‘ لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هي العشاء إلا أنهم يعتمون بالإبل ‘ .
والعتم : الإبطاء والتأخير وإعتام الإبل هو تأخير علفها وحلبها قال الشاعر :
ولا يأثم مسميها بالعتمة ولا يستحق وعيدا به ، لأن النبي ( ص ) لم ينه عنه نهي تحريم ، وإنما قال : ‘ لا يغلبنكم الأعراب عليها ‘ وإذا كان كذلك فأول وقت عشاء الآخرة إذا غاب الشفق إجماعا إلا أنهما شفقان الأول وهو الحمرة ، والثاني وهو البياض ، واختلفوا هل يدخل وقتها بغيبوبة الشفق الأحمر أو بغيبوبة الشفق الأبيض ؟ فذهب الشافعي إلى أن وقتها يدخل إذا غاب الشفق الأحمر وهو في الصحابة قول عمر ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وعبادة بن الصامت ، ومن التابعين قول عطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والزهري ، ومكحول ومن الفقهاء قول مالك ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وأحمد ، وإسحاق ، وذهب أبو حنيفة إلى أن دخول وقتها يكون بغيبوبة الشفق الأبيض ، وبه قال الأوزاعي ، والمزني ، استدلالا بقوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ) [ الإسراء : 78 ] يعني : إظلامه ، وذلك لا يكون إلا بغيبوبة البياض ولما روى بشير بن أبي مسعود عن أبيه قال رأيت رسول الله ( ص ) يصلي عشاء الآخرة حين يسود الأفق ، ولأن صلاة العشاء تتعلق بغارب وصلاة الصبح بطالع ، فلما وجبت الصبح بالطالع الثاني اقتضى أن تجب العشاء بالغارب الثاني واستدل المزني : أن الصبح أول صلاة النهار والعشاء آخر صلاة الليل فلما وجبت الصبح بالبياض المتقدم على الشمس اقتضى أن تجب العشاء بالبياض المتأخر عن الشمس .
ودليلنا : حديث ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : ‘ وصلى بي جبريل العشاء حين غاب الشفق ‘ وحمل إطلاقه على الأحمر أولى من وجهين :
أحدهما : أن الحكم إذا علق باسم اقتضى أن يتناول أول ما ينطلق عليه أول ذلك الاسم .