الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص387
والوجه الثاني : أنه قال تعالى : ( فَإِذاَ تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) فجعل بعد الغاية شرطاً هو الغسل لأمرين :
أحدهما : إضافة الفعل إليهن وليس انقطاع الدم من فعلهن وإنما يفعلن الطهارة .
والثاني : أنه أثنى عليهن بقوله سبحانه وتعالى : ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ) ( البقرة : 222 ) والثناء يستحق بالأفعال الصادرة من جهة من توجه الثناء إليه . فأما فعل غيره فلا يستحق عليه مدحاً ولا ذماً وإذا كان كذلك فكل حكم تعلق بغاية وشرط لم يجز أن يستباح بوجود الغاية مع عدم الشرط . وهذا مثل قوله سبحانه وتعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا الْنِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) ( النساء : 6 ) فجعل بعد الغاية التي هي البلوغ للنكاح شرطاً هو إيناس الشرط . فلم يجز دفع أموالهم إليهم بعد البلوغ وقبل الرشد . والمعنى هو أن كل ممنوعة من الصلاة بحدث الحيض فوطؤها حرام . قياساً على زمان الحيض ، ولأن كل ما حرم الوطء وغيره لم يحل الوطء مع بقاء شيء حرمه معه كالحج ، ولأن محظورات الحيض يستوي حالها عند ارتفاع الحيض بين انقطاعه لأكثره وأقله كالصلاة والصيام ، ولأن كل معنى شرط في إباحته الطهارة لم يستبح بغير طهارة كالصلاة .
وأما الجواب عن الآية فهو ما ذكرناه من الاستدلال بها . وأما قياسهم على المغتسلة بعلة أنها أمنت معاودة الدم فلا تأثير لهذا الوصف . لأنها لو اغتسلت قبل أن أمنت معاودة الدم فله وطؤها . ثم المعنى في المغتسلة استباحتها للصلاة ، وكذا قياسه على المتيممة على أنه منتقض بالتي انقطع دمها لدون العشرة قبل طلوع الفجر فاستباحت الدخول في الصوم ولم تستبح الوطء .
وأما الجواب عن استدلاله بأن ارتفاع العلة وقت لارتفاع حكمها : فهو أن لأصحابنا فيه خلافاً . ولو سلم له ذلك لكان كذلك ما لم يخلف تلك العلة علة أخرى وقد خلفتها علة وهي المنع من الصلاة لحدث الحيض . وأما قياسهم على بقاء الغسل من الجنابة فالفرق في المعنى يمنع صحة الجمع وهو أن الجنابة لما لم تمنع من الوطء لم يكن بقاء الغسل عليها مانعاً . ولما منع الحيض من الوطء كان بقاء الغسل فيه مانعاً .