الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص380
أسيد بن حضير وعباد بن بشر وثابت بن الدحداح سألوا رسول الله ( ص ) عن حكم الحيض والحائض ، واختلف في سبب سؤالهم ، فقال قتادة : كان سبب سؤالهم أن العرب ، ومن في صدر الإسلام يجتنبون مساكنة الحائض ومواكلتها ومشاربتها فسألوا عنه ليعلموا حكم الشرع فيه ، وقال مجاهد : بل كانوا يعتزلون وطأهن في الفرج ويأتوهن في أدبارهن مدة حيضهن فسألوا ليعلموا حكمه فيه ، فأنزل الله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ( البقرة : 222 ) .
فبدأ بتفسير الآية .
فأما قوله سبحانه : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) ( البقرة : 222 ) فالمحيض في هذا الموضع عبارة عن دم الحيض باتفاق أهل العلم ، وقوله هو أذىً فالأذى هو ما يؤذي فسمى دم الحيض أذى ؛ لأنه له لوناً ورائحة منتة ونجاسة مؤذية مع منعه من عبادات وتغير أحكام ، وقوله ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ ) ( البقرة : 222 ) فيه تأويلان :
أحدهما : اعتزال جميع بدنها أن يباشره بشيء من بدنه وهذا قول عبيدة السلماني استعمالاً لعموم اللفظ .
والتأويل الثاني : أن المراد اعتزال وطئها دون غيره ، وهو قول الجمهور لرواية حماد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن اليهود كانت إذا حاضت منهن المرأة أخرجوها من البيت ولم يواكلوها ، ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت ، فسئل رسول الله ( ص ) عن ذلك فأنزل الله عز وجل ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً ) ( البقرة : 222 ) إلى آخر الآية ، فقال رسول الله ( ص ) جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح ، فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه وروت صفية عن عائشة قالت كان رسول الله ( ص ) يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائضٌ وروي عن النبي ( ص ) أنه قال إني لأدنو إلى الحائض ، ومالي إليها ضرورة أي : ميل إليها لحاجة وقوله في المحيض في هذا المحيض الثاني ثلاث تأويلات :
أحدها : أنه دم الحيض كالحيض الأول .
والثاني : زمان الحيض ليعم زمان جريان الدم وما يتخلله من أوقات انقطاعه .