الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص356
يمسحوا على العصائب والتساخين ، والتساخين : الخفاف ، والعصائب العمائم ، وقال الفرزدق :
يعني : العمائم .
وروي أن النبي ( ص ) بعث جيشاً وأمرهم أن يمسحوا على المشاوذ ، قال أبو عبيدة المشاوذ : العمائم ، وأنشد قول الوليد بن عقبة :
ودليلنا قوله تعالى : ( فَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ) فأوجب مسح الرأس بغير حائل ، وقال النبي ( ص ) حين توضأ ومسح برأسه : ‘ هذا وضوءٌ لا يقبل الله الصلاة إلا به ‘ . وروي عن عبد العزيز بن مسلم عن أبي معقل عن أنس ابن مالك قال : رأيت رسول الله ( ص ) يتوضأ وعليه عمامةٌ فصلى به فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ، ولم ينقض العمامة فلو جاز الاقتصار على مسح العمامة لما تكلف هذا ، وروى ابن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة أن النبي ( ص ) توضأ فمسح بناصيته وعمامته ، فدل على أن الاقتصار على مسح العمامة لا يجزئ ، ولأن المسح على الرأس ممكن ، مع بقاء العمامة فلم يجز أن يقتصر على المسح عليها لعدم الحاجة إليه وغسل الرجلين غير ممكن مع بقاء الخفين ، فجاز المسح عليهما ؛ لأن الحاجة داعية إليه ، ولأن العدول عن الغسل إلى المسح رخصة ، والعضو الواحد لا يجتمع فيه رخصتان .
فأما الجواب عن الحديثين فمن وجهين :
أحدهما : أنه أراد عصائب الجراح ، ولذلك خاطب أهل السرايا .
والثاني : أنه عنى صغار العمائم التي يصل بالمسح عليها إلى مسح الرأس كما رواه المغيرة ، وقد قال بعض أهل اللغة إن ما ذكر الفرزدق من العصائب في شعره فإنما أراد به الألوية والمشاوذ : هي عصائب تلف على الرأس في الحروب علامة والله أعلم .