الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص348
ولا يحكم بطهارته قبل الاجتهاد ؛ لأننا قد تيقنا حصول النجاسة فيهما وشككنا في زوالها بإراقة أحدهما ، والشك لا يرفع حكماً ثبت بيقين .
( فصل )
: فأما دلائل الاجتهاد فهي الأمارات التي يستدرك بها حال النجاسة ، وقد تكون بأسباب مختلفة وجهات شتى ، فمنها تغير أوصافه ، ومنها حركة الماء واضطرابه ، ومنها آثار نجاسته لقربه ، ومنها انكشاف أحدهما ، وتغطية غيره إلى غير ذلك من الدلائل والأمارات التي يغلب معها في النفس طهارة الطاهر ونجاسة النجس ، فعلى هذا يصح اجتهاد الأعمى فيها بما عدا حاسة البصر من الروائح ، والطعوم وسماع الحركة ، والاضطراب لاشتراك الأعمى والبصير في إدراكها بالحس .
( فصل )
: فإذا ثبت ما وصفنا فلا يخلو حاله إذا اجتهد فيهما من أحد أمرين إما أن يتوصل بالاجتهاد إلى معرفة الطاهر من النجس أم لا ، فإن توصل بالاجتهاد إلى طهارة أحدهما استعمله ، ويستحب لو أراق النجس قبل استعمال الطاهر لئلا يعارضه الشك من بعده أو خوفاً من الخطأ في استعماله فإن لم يرقه واستعمل الطاهر جاز ، وليس عليه الاجتهاد لصلاة أخرى بخلاف القبلة لما نذكره من الفرق هناك ، وإن اجتهد فلم يؤده الاجتهاد إلى شيء ، وكان الاشتباه باقياً فينبغي أن يريق أحد الإناءين في الآخر ، فإن بلغا قلتين كان الماء طاهراً فيستعمله ويصلي وإن كان دون القلتين فهو نجس ، فيتيمم ويصلي ولا إعادة عليه ، واختلف أصحابنا هل إراقة أحدهما في الآخر واجب عليه أو مستحب له ، فقال بعضهم : هو واجب عليه ؛ لأنه إن بلغ قلتين استعمله ، وإن عجز تيمم ولم يعد ، وقال جمهورهم : لا يلزمه إراقة أحدهما في الآخر إلا أن يتيقن أنه يستكمل قلتين فيلزم ، وإن لم يستيقن استكمال قلتين لم يلزم ، وجاز له أن يتيمم ؛ لأنه لا يقدر على استعمال ماء طاهر وعليه الإعادة لوجود الماء الطاهر وإن أشكل .
( فصل )
: فلو اجتهد رجلان في إناءين فأدى اجتهاد كل واحد منهما إلى طهارة ما نجسه صاحبه استعمل كل واحد منهما إناءه الذي بان في اجتهاده أنه طاهر كاجتهاد رجلين في القبلة إلى جهتين مختلفتين ، ولا يجوز لأحدهما أن يأتم بصاحبه ؛ لأنه يعتقد فيه أنه يصلي بنجاسة ، فإن جمعا بطلت صلاة المأموم دون الإمام وقد ذكر أصحابنا فرعاً يغني شرحه عن التفريع على هذا الأصل ، وهو في خمسة توضؤوا وسمعوا من أحدهم صوتاً فنفاه كل واحد منهم عن نفسه ، ثم إن كل واحد من الخمسة أم جميع أصحابه في صلاة من الصلوات الخمس حتى أم الخمسة في خمس صلوات .
فالجواب أنه لا إعادة على جماعتهم في أول الجماعات وهي الصبح ولا في الثانية وهي الظهر ولا في الثالثة وهي العصر لجواز أن يكون الصوت من الإمامين الباقيين من المغرب والعشاء ، فأما الصلاة الرابعة وهي المغرب فلا إعادة فيها على واحد من جماعتهم