پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص331

تتوضأ من بئر بضاعةٍ ، وهي يطرح فيها المحائض ولحوم الكلاب ، وما ينجي الناس . فقال : ‘ الماء لا ينجسه شيءٌ ‘ فلم يجعل لاختلاط النجاسة بالماء تأثيراً في نجاسته وهذا نص يدفع قول أبي حنيفة .

اعترضوا على هذا الحديث بسؤالين :

أحدهما : أن بئر بضاعة عين جارية إلى بساتين تشرب منها والماء الجاري لا يثبت فيه نجاسة .

والجواب عنه أن بئر بضاعة أشهر حالاً من أن يعترض عليها لهذا السؤال ، وهي بئر في بني ساعدة ، قال أبو داود في سننه : قدرت أنا بئر بضاعة بردائي أي : مدرته عليها ثم ذرعته ، فإذا عرضها ستة أذرع . وسألت الذي فتح لي البستان فأدخلني إليه : هل غير بناؤها عما كانت عليه ؟ فقال : لا ، ورأيت فيها ماءً متغير اللون .

ومعلوم أن الماء الجاري ، لا يبقى فيه التغيير ، قال أبو داود : وسمعت قتيبة بن سعيد قال سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها ، قال : أكثر ما يكون فيها الماء قال إلى العانة قلت : وإذا نقص ، قال : دون العورة .

والسؤال الثاني : إن قالوا لا يجوز أن يضاف إلى الصحابة أن يلقوا في بئر يتوضأ فيها رسول الله ( ص ) المحائض ولحوم الكلاب بل ذلك مستحيل ، وهو بصيانة وضوء رسول الله ( ص ) ، أولى فدل على وهاء الحديث .

والجواب عنه أن الصحابة رضي الله عنهم لا يصح إضافة ذلك إليهم ولا روينا أنهم فعلوه ، وإنما كانت بئر بضاعة بقرب من مكان الجيف والمحائض ، وملقى الأنجاس ، وكانت تهب الريح ، فكانت الريح تلقي المحائض والأنجاس فيها ، ثم الدليل عليه من طريق المعنى أنه ماء كثير ، فوجب أن لا ينجس بوقوع نجاسة لم تغيره قياساً على وقوع البعرة اليابسة فيه .

فإن قيل البعرة اليابسة لم تخالطه قيل الاعتبار بوقوع النجاسة لا بمخالطتها ، ألا ترى أن شعر الخنزير وعظمه ينجس الماء إذا وقع فيه ، وإن لم يخالطه ، ولأن ما لا يمكن حفظه من حلول النجاسة فيه فوجب أن لا ينجس إلا بالتغيير قياساً على ما لا يلتقي طرفاه من بئر أو غدير ، ولأن الماء الكثير لا يمكن حفظه بالأوعية ، ولا يقدر على صونه من النجاسة ، فصار التحرز من حلول النجاسة فيه شاقاً فعفى عنه كدم البراغيث ، والماء القليل يمكن حفظه ، بالأوعية ، ويقدر على صونه من النجاسة فصار التحرز من حلول النجاسة فيه ممكناً فلم يعف