الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص305
والثاني : أنه جعل ما بقي من شربه طهوراً ، وقد يكون الباقي قليلاً ، ويكون الباقي كثيراً ، قالوا : ولأنه حيوان يجوز الاصطياد به فوجب أن يكون طاهراً كالفهد ، قالوا : ولأنه لما كان الموت علماً على النجاسة كانت الحياة علماً على الطهارة ، والدليل على نجاسته ما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ إن الله تعالى حرم الكلب وحرم ثمنه وحرم الخمر وحرم ثمنها ‘ فاقتضى أن يكون التحريم في جميعه عاماً ، وروى مطرف عن ابن المغفل أن رسول الله ( ص ) أمر بقتل الكلاب ثم قال ما لهم ولها فرخص في كلب الصيد وكلب الغنم فلما أمر بقتلها واجتنابها ، ورخص في الانتفاع ببعضها كان ذلك دالاً على نجاستها ، وروى ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي ( ص ) قال : ‘ طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مراتٍ الأولى بالتراب ‘ وحدوث الطهارة في الشيء إنما تكون بعد تقديم نجاسة وروي أن النبي ( ص ) كان يدخل على قومٍ فامتنع من الدخول عليهم ، فقيل له في ذلك : فقال : لأن عندهم كلباً قيل : فإنك تدخل على فلانٍ وعندهم هر فقال : إنها ليست بنجسةٍ إنها من الطوافين عليكم والطوافات ‘ فكان تعليله للهر أنها ليست بنجس دليل على أن الكلب نجس ، ويدل على نجاسة سؤره من طريق المعنى مع حديث أبي هريرة المتقدم أنه مائع ورد الشرع بإراقته فوجب أن يكون نجساً كالخمر ، لأنه غسل بالمائعات موضع الإصابة فوجب أن يكون غسل نجاسته قياساً على ما حلته نجاسة ؛ لأن غسل التعبد مختص بالأبدان وغسل الأواني مختص بالنجاسة ، ولأنه لو كان للتعبد لما أمر بإراقة المائع ما فيه من إضاعة المال ، وقد يكون مكان الماء ما هو أكثر ثمناً من الماء .
فأما الجواب عن استدلالهم بإباحة الاصطياد به فهو أنه لا دليل فيه ؛ لأن النجس قد يجوز الانتفاع به في حال كالميتة ، وأما موضع فمه من الصيد فقد اختلف أصحابنا فيه فذهب جمهورهم إلى نجاسته وتفرد بعضهم بطهارته ؛ لأن الآية وردت بالإباحة ، فلو حكم بتنجيس ما أصابه بفمه لخرجت عن الإباحة إلى الحظر ؛ لأن لعابه يسري فيما عضة من الصيد ، فلا يمكن غسله فصار معفواً عنه ، وليس ينكر أن يعفى عن شيء من النجاسة للحوق المشقة في إزالته كدم البراغيث وأثر الاستنجاء ، وأما الجواب عن الخبر فهو أن الحياض كثيرة الماء في الغالب وتنجيسها بالولوغ لا يحصل ثم الولوغ فيها ، ولو كانت قليلة المياه شك ، والشك لا يوجب التنجيس ، وأما قياسهم على الفهد والنمر ، فالمعنى فيه أنه لا يلزم غسل الإناء من ولوغه ، وأما استدلالهم بأن الحياة علة الطهارة فغير صحيح ؛ لأنه لما كان في بعض الأموات طاهراً جاز أن يكون في بعض الأحياء نجساً .
فإذا ثبت نجاسة الكلب ، وولوغه فنجاسته نجاسة عين لا نجاسة حكم ، وقال أبو حنيفة نجاسته نجاسة حكم ، وليست عينه نجسة ، وهذا خطأ ، لأن نجاسة الحكم هي التي تحال