الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص304
يستعمل في تطهير فيسلبه الاستعمال حكم التطهير فتشابه ما استعمل في غسل ثوب أو إناء ، فعلى هذا لو توضأ المحدث مرة ثم جمع ماء المرة في إناء ، ثم توضأ ثانية وجمع ماء الثانية في إناء ، ثم توضأ ثالثة وجمع ماء الثالثة في إناء ، ثم توضأ رابعة وجمع ماء الرابعة في الإناء ، كان ماء الأولة مستعملاً ؛ لأن ماء الأولة مستعملاً لارتفاع الحدث بها ، وماء الرابعة مطهراً ؛ لأن الشرع وارد بكراهتها ، وفي ماء الثانية والثالثة وجهان ؛ لأن تكرار الوضوء ثلاثاً ندبٌ فلو أراق ماء الأولة على ماء الرابعة ، فإن كان ماء الأولة أكثر صار الكل مستعملاً ، فإن كان ماء الرابعة أكثر صار الكل مطهراً ، فأما النجاسة إذا غسلها مراراً فهذا على ثلاثة أقسام .
أحدها : أن تزول النجاسة بالمرة الأولة فيكون ماء الأولى مستعملاً .
وفي الثانية والثالثة وجهان : لأنها ندب وما زاد على الثلاث مطهر .
والقسم الثاني : أن تزول النجاسة بماء المرة الثانية فيكون ماء الأولة نجساً ، وماء الثانية مستعملاً ، وفي ماء الثالثة وجهان ، وما بعدها مطهر .
والقسم الثالث : أن لا تزول النجاسة إلا بماء المرة الثالثة فيكون ماء الأولة والثانية نجساً ، وماء الثالثة مستعملاً ، وما بعدها مطهر فأما الجنب إذا اغتسل مرة في ماء قليل ، ثم اغتسل ثانية في ماء قليل كان الماء الأول مستعملاً ، والثاني مطهراً ؛ لأن تكرار الثلاث مأثور في الوضوء والنجاسة ، وغير مأثور في غسل الجنابة والله أعلم .
قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ وإذا ولغ الكلب في الإناء فقد نجس الماء وعليه أن يهرقه ‘ .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، الكلب نجس ، فإذا ولغ في الإناء صار وما فيه نجساً ، وقال مالك وداود : الكلب طاهر فإذا ولغ في الإناء كان وما فيه طاهراً ، ووجب غسله تعبداً ، وبه قال الزهري والأوزاعي والثوري استدلالاً بأن الله تعالى أباح الاصطياد به فقال : ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ) ( المائدة : 4 ) ولو كان نجساً لأفسد ما صاده بفمه ، ولما ورد الشرع بإباحته ، وبرواية عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة ، وقيل إن الكلاب والسباع تلغ فيها فقال رسول الله ( ص ) : ‘ لها ما في بطونها ولنا ما بقي شرابٌ وطهورٌ ‘ فدل هذا الحديث على طهارة الكلب من وجهين .
أحدهما : أنه جمع بينه وبين السباع فلما كان السبع طاهراً كان ما جمع إليه في الحكم طاهراً .