الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص303
أحدهما : السنة الواردة بالفرق بينهما حيث أمر النبي ( ص ) بصب الماء على بول الأعرابي ولو صار نجساً لم يأمر به ، وحيث نهى من استيقظ من النوم أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ، ولو كان الماء لا ينجس لم ينه عنه ، فدلت السنة على الفرق بين الأمرين وأن ورود الماء على النجاسة ، لا يوجب تنجيسه ، لحديث الأعرابي ، وأن ورود النجاسة على الماء يوجب تنجيسه لحديث المستيقظ من النوم .
والفرق الثاني : من طريق المعنى : أن الضرورة داعية إلى تطهير الماء لوروده على الماء ، لأنه لو صار نجساً لما أمكن تطهير نجاسته عن المحل لأن الماء نجس بوروده على ذلك المحل فحكم بطهارته ، وليست الضرورة داعية إلى تطهير الماء بورود النجاسة عليه فحكم بتنجيسه ، وأما الجواب عن استدلالهم بأن النجاسة تسلب الماء بما خالفها من الطهارة ، والتطهير فهو أن التطهير صفة متعدية فجاز أن تزول عن الماء ، والطهارة صفة لازمة فجاز أن لا تزول عن الماء ؛ لأن المتعدي مفارق واللازم مقيم .
وأما الضرب الثالث من ضروب الماء المستعمل ، وهو ما كان مستعملاً في أمر ندب ، كالمستعمل في تجديد الطهارة ، وغسل العيدين والجمعة ؛ لأن الغسل في هذا مندوب إليه وليس بواجب ، فقد اختلف أصحابنا هل يصير الماء فيه مستعملاً ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه يصير مستعملاً ؛ لأنه تطهير شرعي فشابه رفع الحدث وضوءاً وغسلاً ، وهذا قول أبي حنيفة .
والوجه الثاني : وهو ظاهر المذهب أنه طاهر غير مستعمل ، وأنه طاهر مطهر ؛ لأنه لم