الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص296
قال الماوردي : اعلم أن الماء المستعمل في الطهارة على ثلاثة أضرب : ضرب مستعمل في رفع حدث وضرب مستعمل في إزالة نجس ، وضرب مستعمل في أمر ندبٍ ، فأما المستعمل في رفع الحدث فهو ما انفصل من أعضاء المحدث في وضوئه ، أو من بدن الجنب في غسله فمذهب الشافعي المنصوص عليه في كتبه القديمة والجديدة وما نقله عنه جميع أصحابه سماعاً ، وروايةً أنه طاهر مطهر ، وحكى عيسى بن أبان فيما جمع من الخلاف عن الشافعي جواز الطهارة به ، وقال أبو ثور : سألت الشافعي عنه فتوقف فاختلف أصحابنا لأجل هذه الحكاية ، فكان أبو إسحاق المروزي وأبو حامد المروزي يخرجان الماء المستعمل على قولين :
أحدهما : أنه طاهر غير مطهر ، وهو ما صرح به في جميع كتبه ، ونقله جمهور أصحابه .
والثاني : أنه طاهر مطهر ، وهو ما حكاه عيسى بن أبان ، ودلت عليه رواية أبي ثور وكان أبو العباس وابن أبي هريرة يمنعان من تخريج القولين ويعدلان عن رواية عيسى ، لأنه وإن كان ثقة فهو مخالف يحكي ما يحكيه أصحاب الخلاف ولم يلق الشافعي فيحكيه سماعاً من لفظه ولا هو منصوصه فيأخذ من كتبه ولعله تأول كلامه في نصرة طهارته رداً على أبي يوسف ، فحمله على جواز الطهارة ، وأما أبو ثور فليس في روايته دليلاً لأن التوقف لا يكون مذهباً ولعل توقفه عن الجواز إنما كان اعتماداً على ما صرح به في كتبه ولعمري إن هذه الطريقة أصح الطريقتين من تخريج ذلك على القولين فصار المذهب في الماء المستعمل إنه طاهر غير مطهر ، وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس ومن الفقهاء الأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن ، وقال الحسن البصري وابن شهاب الزهري وداود بن علي ومالك في إحدى الروايتين عنه : إنه طاهر مطهر ، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف هو نجس ،