الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج1-ص295
بها شكاً ، وإذا سقط في الماء انحلت فصار تنجيسه بها يقيناً ، وأصح هذه الطرق هي الطريقة الأولى التي ذكرها المتقدمون من أصحابنا ؛ لأن النص من المذهب تقتضيها والحجاج بالمعنى المذكور يوجبها .
وأما المعفو عن يسيره من النجاسات فدم البراغيث لإجماع السلف عليه ، وتعذر التحرز منه ، وأما غيره من سائر الدماء ففي العفو عن يسيره قولان نص عليهما في الجديد .
أحدهما : يعفى عن يسيرها قياساً على دم البراغيث فإن تمييز الدماء شاق فعلى هذا ماء القروح أولى بالعفو .
والقول الثاني : لا يعفى عن شيء منها قياساً على البول ، وخالف دم البراغيث من وجهين :
أحدهما : أن دم البراغيث عام وغيره من الدماء خاص .
والثاني : أن التحرز من دم البراغيث متعذر ومن غيره من الدماء ممكن فعلى هذا في العفو عن ماء القروح وجهان ، بحسب اختلاف الوجهين في الفرق بين دم البراغيث وغيره .
أحدهما : يعفى عنه ؛ لأن التحرز منه متعذر .
والثاني : لا يعفى عنه ؛ لأنه نادر ، وقال أبو العباس ابن سريج فيما سوى دم البراغيث مذهباً ثالثاً : وهو أن دم نفسه معفو عن يسيره ؛ لأن التحرز منه متعذر ، ودم غيره غير معفو عن يسيره ؛ لأن التحرز منه متعذر فإذا تقرر ما وصفنا من حال النجاسة التي يعفى عن يسيرها انتقل الكلام إلى حد اليسير فيها ، أما دم البراغيث فيسيره معتبر بالعرف من غير حدٍّ ، ولا تقدير فما كان في عرف الناس وعاداتهم يسيراً كان معفواً عنه ، وما كان في العرف يسيراً فاحشاً لم يعف عنه ، أما غيره في الدماء وماء القروح ففي اليسير منها قولان حكيا عن الشافعي في القديم .
أحدهما : أنه معتبر بعرف الناس أيضاً كدم البراغيث .
والثاني : أنه محدود بقدر الكف . فإذا ثبت ما وصفنا من الفرق بين يسير ما يعفى عنه وبين كثيره فاعلم أنه معفو عنه إذا أصاب الثوب أو البدن ، فأما إن وقع في الماء فغير معفو عنه بحال ؛ لأن التحرز منه في الماء ممكن ، وإنما التحرز منه في الثوب والبدن متعذر .